ديجانتير

ديجانتير

16 يوليو 2020
أحد الديجانتيرات "متكوك" (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

إذا كنت تعيش في لبنان، فإنّك تعرف معنى كلمة ديجانتير، وما يترتب عليها، من دون أن نضعها بين مزدوجين ونخبرك بالمعنى العربي، حول قطعة كهربائية ذات مفتاح صغير يتحرك للأعلى والأسفل، فإذا كان التيار الكهربائي موصولاً، فإنّ المفتاح للأعلى، وإذا كان مقطوعاً، فالمفتاح للأسفل.
الديجانتير هو الديجانتير ببساطة، وهو يأخذ حيّزاً يومياً من حياة اللبنانيين، خصوصاً عندما "يتكّ"، وهذا الفعل معناه عدم تحمّل المفتاح حجم استهلاك التيار، فيُقطع التيار تلقائياً بالنزول إلى الأسفل. والديجانتير التابع لكهرباء الدولة نادراً ما "يتكّ" أو "يطقّ" بحسب اللهجة، لكنّ كهرباء الدولة نفسها لطالما كانت نادرة، ما يحتّم على اللبنانيين الاشتراك في مولدات كهربائية خاصة، تغطي الأوقات التي تنقطع فيها كهرباء الدولة، وتجعل فاتورتهم الكهربائية فاتورتين. وديجانتير هذا الاشتراك "يتكّ" تبعاً لحجم التيار الذي لا يزيد على خمسة أمبيرات غالباً، وفي أحسن الأحوال عشرة. والفعل الأكثر تفاقماً من أن "يتكّ" هو "يتكتك" أي يتكرر قطع التيار كلما وصل، ورفعتَ مفتاح الديجانتير مجدداً.
الأسوأ في الأمر أنّ ديجانتير اشتراك المولد، عادة ما يكون في أسفل المبنى في غرفة الكهرباء، وليس في البيت أبداً، بل ربما كان أبعد من المبنى حتى، عند أحد أعمدة الكهرباء في الشارع. تبعاً لذلك، اقرأوا هذا المشهد: سيدة أربعينية عاملة، تعيش مع ابنها وبنتها المراهقين، وحدهم، في شقة بالطبقة الخامسة، في أحد الأحياء، استيقظت عند الثالثة قبل الفجر تختنق من الحرّ. هي أساساً لا تملك مكيفاً، بل مجرد مروحة في غرفتها، ومروحة في غرفة ابنها وبنتها. المسألة أنّهم عندما ناموا كان التيار الكهربائي موصولاً، ثم انقطع بعد نومهم ربما عند الثانية عشرة، بحسب نظام التغذية، أو ربما بعد ذلك. المهم أنّ الديجانتير "تكّ"، واضطرت إلى النزول على السلالم، لكون الاشتراك في كثير من الأماكن لا يغذي المصاعد، ثم الذهاب إلى عمود الكهرباء، ورفع الديجانتير، والصعود مجدداً على السلالم، لتجد أنّ الديجانتير خلال رحلة عودتها "تكّ" مرة أخرى، ما اضطرها إلى إعادة المحاولة بعد إطفاء كلّ شيء في المنزل، وتشغيله تدريجاً لاحقاً بعد ثبات التيار الآتي من المولّد.

موقف
التحديثات الحية

هذا المشهد قد يقال عنه إنّه تافه بالقياس إلى مصائب أخرى تعاني منها شعوب محتلة وأخرى مهجّرة من أوطانها وداخل أوطانها. لكنّ من يقول ذلك لا يشعر بما تشعر به تلك السيدة في تلك اللحظات، من انزعاج وخوف وتعب وانعدام أمان على مختلف المستويات. كذلك، فإنّ هذا المشهد هو في لبنان "بلد الإشعاع والنور" - هذه مجرد نكتة. في لبنان الذي لطالما تلقى أهله الوعود المتواصلة منذ ثلاثين عاماً بكهرباء لا تنقطع. وفي لبنان نفسه، الذي لا يعرف الزعماء، والسياسيون ورجال الدين الكبار، وأصحاب المال والأعمال، ما معنى ديجانتير، ناهيك عن الفعلين المرتبطين به.

المساهمون