ديالى العراقية مدينة البرتقال...صارت تستورده بعد حرق بساتينها

ديالى العراقية مدينة البرتقال...صارت تستورده بعد حرق بساتينها

ديالى

ميمونة الباسل

avata
ميمونة الباسل
07 فبراير 2018
+ الخط -
لا يمكن لزوّار محافظة ديالى في موسم البرتقال ألا يشمّوا رائحة قدّاحه (زهره) الزكية. فأشجار البرتقال كانت تنتشر حتى داخل المدن؛ وتغطي محاصيله بالأطنان جميع محافظات العراق من شماله إلى جنوبه. لكن ديالى المعروفة بمدينة البرتقال، فقدت ما كانت تتميز به، وباتت تستورد جميع أنواع المحاصيل الزراعية، عقب حرق بساتينها خلال الأعوام الأربعة الماضية.

يحترق بستانٌ واحدٌ كل يومين، هذا ما يؤكده المسؤولون المحليون في المدينة. وأوضح رئيس مجلس محافظة ديالى، علي الدايني، أن عام 2017 شهد أعلى معدلات حرائق البساتين في تاريخ المحافظة، ما جعل ذلك العام عام حرائق البساتين في ديالى، التي تسببت في هلاك مساحات زراعية كبيرة يعود تاريخ بعضها إلى عقود من الزمن.

وأشار رئيس المجلس المحلي لبلدة المقدادية التابعة لمحافظة ديالى (شرق العراق)، عدنان حسين التميمي، في تصريح صحافي، إلى خسارة أكثر من 20 مليار دينار سنوياً جراء تدمير البساتين المثمرة، ونزوح المزارعين بسبب أحداث "داعش" الإرهابي والعمليات العسكرية التي رافقت عمليات التحرير على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.

وقال إن تلك العمليات أتت على أكثر من 25 ألف دونم من البساتين المثمرة، التي تتصدر إنتاج الرمان والعنب والحمضيات في عموم البلاد. وأشار التميمي إلى الانعكاسات السلبية على الواقع الزراعي وإنتاج الفواكه في ديالى والبلاد عموماً جراء تدمير بساتين المقدادية، التي تحولت إلى صحارى قاحلة تتطلب جهداً ودعماً كبيرين لإعادة تأهيلها.

وقال المزارع باسم كنعان (58 عامًا)، لـ"العربي الجديد"، "بداية شهر يوليو/تموز من عام 2014، اضطررت للنزوح وعائلتي إلى خارج محافظة ديالى، تركنا كل شيء، وقبل نزوحنا سقينا البستان لأن تموز شديد الحرارة وهو يحتاج للري المستمر كل بضعة أيام، لكن بعدها لم نتمكن من العودة، ولم نتمكن أيضاً من سقي بساتيننا لوجود المليشيات من جهة، و"داعش" من جهة أخرى".

وتابع "سمعنا أن بستاننا يبس مثل كل البساتين حوله، وبعد أشهر أضرمت النار في الكثير من البساتين كان من بينها بستاننا الذي تبلغ مساحته 14 دونمًا، أي ما يزيد عن 30 ألف متر مربع. أصبت على إثره بوعكة صحية ألزمتني الفراش مدة أسبوعين، بعدها قال الأطباء أن ما تعرضت له كانت جلطة خفيفة نتيجة سماع خبر صادم أو انفعال عصبي".


زهرة البرتقال أو القدّاح (فرانس برس)




أضاف كنعان "كيف لي أن أستوعب تحول مزرعة عمرها أكثر من 100 عام إلى صحراء قاحلة بعد أن كانت تنتج سنويًا أكثر من 30 طنًا من البرتقال والحمضيات والرمان ومختلف المحاصيل الزراعية. لم تعد اليوم تنتج شيئاً مثلها مثل مئات البساتين. ولم تعد العوائل السبع التي كانت تمتهن الزراعة في بستاني تملك عملاً أو مالاً".

وأوضح أن "الإنتاج الزراعي في ديالى تراجع، لا سيما في بلدة المقدادية والنواحي التابعة لها بنحو 90 في المائة، خصوصاً محصول البرتقال والرمان. وأغلب الفواكه الموجودة في السوق المحلية مستوردة، والإنتاج المحلي قليل، حتى أنه أعلى سعراً من المستورد".

هلاك بساتين محافظة ديالى الزراعية حرقاً أو عطشاً لم يكن السبب الوحيد في تراجع إنتاج محصول البرتقال والمحاصيل الأخرى في ديالى. والمعروف أن شجرة البرتقال من فصيلة المزروعات التي لا تقاوم الجفاف والعطش، ويمكن لأشجارها التي عاشت 20 عاماً أن تموت بغضون أسابيع قليلة، إذا انقطع عنها الماء، بحسب الخبير الزراعي صلاح هادي لـ"العربي الجديد".

حرائق متعمدة للبساتين في ديالى(فيسبوك) 


وأضاف "لكن لقلّة الدعم الحكومي للفلاحين والأراضي الزراعية حوّل الكثير من المزارعين بساتينهم إلى قطع سكنية لبيعها على هذا الأساس، وهذا ما أفقد مدن ديالى جماليتها بعد أن كانت البساتين تنتشر بين البيوت وتفوح رائحة القدّاح من أشجار البرتقال. كما ارتفعت نسبة البطالة باعتبار أن أكثر من 75 في المائة من أبناء القرى الزراعية في ديالى يمتهنون الزراعة".

ودعا هادي الحكومة العراقية إلى "الاهتمام بالزراعة لأنها الهوية الحقيقية لمحافظة ديالى التي يعتمد أبناؤها عليها، ثم جاءت العمليات العسكرية وداعش والمليشيات، لتقضي على ما تبقى من تلك البساتين وتحويلها بفعل متعمد الى أراضٍ ميتة تفحمت أشجارها، ما يعني حقيقة أن مدينة البرتقال فقدت أهم ما يميزها، ولم تعد من المحافظات المنتجة".



ولفت هادي إلى "إمكانية وقف تحويل البساتين إلى أراض سكنية خاصة، مشيراً إلى أن من يقومون بذلك لم يحصلوا على تراخيص قانونية". ورأى أنه "يمكن دعم المزارعين ووقف العصابات التي تحرق البساتين عمداً، إن كان هناك من يريد لديالى أن تعود زراعية، وأن تفوح منها رائحة القدّاح من جديد بدلاً من رائحة دخان حرق البساتين".





وأعلنت مديرية الإحصاء الزراعي التابعة للجهاز المركزي، أن إنتاج الحمضيات بالعراق والذي يشمل خمسة أنواع رئيسة وهي البرتقال والليمون الحامض والليمون الحلو واللالنكي(اليوسفي) والنارنج، بلغ نحو 99 ألف طن خلال عام 2017.

وأشارت إلى أن إنتاج الحمضيات في البلاد لا يلبي احتياجات السوق المحلية، ما يعوض النقص عن طريق الاستيراد من دول الجوار. ولفتت إلى أنّ المسح الّذي أجراه المركز لم يشمل محافظتي الأنبار وصلاح الدين نظرا للوضع الأمني فيهما، كما لم يشمل المسح أيضا إقليم كردستان العراق.

وتعرف محافظة ديالى تاريخيا بمدينة البرتقال، نظرا لامتداد أشجاره في جميع مدن وقرى ومزارع المحافظة، والّذي يعد من أجود الأنواع في العراق قبل أن يمتد الخراب إلى البساتين.

ذات صلة

الصورة
نادية عبد العال نازحة فلسطينية في شمال قطاع غزة 1 (العربي الجديد)

مجتمع

في يوم المرأة العالمي، انتظرت الفلسطينية نادية عبد العال النازحة في شمال غزة ستّ ساعات قبل أن تملأ غالونات المياه، وتصعد بها أربع طبقات في مركز الإيواء.
الصورة
ينتظرون الحصول على طحين (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

مجتمع

يوميات الغزيين قاسية للغاية وخصوصاً للنازحين إلى الجنوب. يومياً، يضطرون إلى الوقوف في طوابير لساعات من أجل تأمين الخبز والمياه والأدوية وغيرها من الأساسيات، وكأن الطوابير هي وسيلتهم للبقاء أحياء
الصورة
نازحون فلسطينيون في غزة في طوفان الأقصى (محمد عابد/ فرانس برس)

مجتمع

يبدو طريق النزوح من شمالي قطاع غزة إلى وسطها وجنوبيها أكثر رعباً، إذ إنّ الركام يسيطر على المشهد في الأحياء التي دُمّرت عن بكرة أبيها، فيما رائحة الموت تنتشر في كلّ مكان.
الصورة
نازحون سودانيون في مدرسة في وادي حلفا 1 (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

مجتمع

في فناء رملي لمدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين في شمال السودان، يلعب أطفال بالكرة. من حولهم، ينتظر عشرات الأشخاص المنهكين الفارين من الحرب، منذ أشهر، تأشيرة دخول الى مصر.

المساهمون