دول حصار قطر تحبط أحدث مساعي الوساطة الكويتية

دول حصار قطر تحبط أحدث مبادرات الوساطة الكويتية

09 سبتمبر 2017
ترامب: أنا قادر على حل الأزمة بسرعة (Getty)
+ الخط -
بدا كأن ضجيج المواقف المتصلة بحصار قطر، والتي خرجت إلى العلن في الساعات الماضية، بقي مفعولها مقتصراً على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما سارعت دول الحصار، في بيان مستعجل أصدرته فجر الجمعة، وفي مواقف متفرقة لمسؤوليها صدرت في وقت لاحق من يوم أمس الجمعة، إلى الالتفاف على محاولة بث أجواء من التفاؤل من قبل أمير الكويت صباح الأحمد الصباح بإمكانية حصول "حوار لا يمس بالسيادة"، وذلك في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن مساء الخميس، ما دفع بدولة الوساطة إلى الرد على الرد بلياقة دبلوماسية افتقدها بيان الدول الأربع. وظهر بيان الفجر كأنه موجّه بالأساس ضد أمير الكويت وضد الوساطة عموماً، مع تجديد رفض العواصم الأربع الحوار سبيلاً لحل الأزمة، مع تفادي كتَبَة البيان إظهار موقف من عرض ترامب تأدية وساطة يمكنها حلّ الأزمة بسرعة مثلما تباهى الرئيس الأميركي خلال مؤتمر صحافي مع ضيفه الكويتي. 

هكذا، تواصل دول الحصار تأييد وساطة الكويت لفظياً، من دون تفويت فرصة لإحباط كل مساعيها، من خلال الإصرار على "بعض المطالب التي ترفضها حتى الكويت" لأنها تمس بالسيادة على حد تعبير أمير الكويت نفسه، أو عبر تجاهل مبادرات الوسيط ورسائله، وآخرها تلك التي وجهها إلى دول الحصار الأربع وقطر وسلطنة عُمان في النصف الأول من شهر أغسطس/ آب الماضي، ووحدها دولة قطر ردت على مضمونها خطياً، بينما دول الحصار لم تحترم حتى الأصول الدبلوماسية في التعاطي مع مثل هذه الأوضاع.


وقد أعربت دولة قطر مساء أمس، عن رفضها واستنكارها لما تضمنه بيان دول الحصار "من مزاعم واتهامات ضدها من دون أي دليل عليها". وأكد مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية، السفير أحمد بن سعيد الرميحي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية، أن "ما تضمنه البيان الرباعي من ادعاء حول تدخل دولة قطر في الشؤون الداخلية للدول، أو تمويل الارهاب هي افتراءات لا أساس لها من الصحة، وتخالف مرتكزات سياسة دولة قطر التي في مقدمتها احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما تخالف الاعتراف الدولي بجهود دولة قطر في مكافحة الارهاب". وبشأن ما تضمنه البيان بأن تصريحات وزير الخارجية عقب تصريحات أمير الكويت، ومفاده أن "قطر ترفض الحوار لحل الأزمة"، أكد الرميحي أن "هذا القول ينم عن قراءة غير دقيقة وإخراج لتصريحات (...) وزير الخارجية عن سياقها الصحيح، حيث أكد على موقف دولة قطر الثابت من تمسكه بالحوار لحل هذه الأزمة وهو موقف دولة قطر المعلن منذ بداية هذه الأزمة".

وقد حرّكت زيارة أمير الكويت إلى واشنطن "الجمود" الحاصل في الملف الخليجي، على وقع رغبة دول الحصار أو عدم ممانعتها بأن تطول الأزمة لسنوات بما أن ذلك "لا يضرّ" على حد تعبير وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، من لندن الأسبوع الماضي. ولم يخرج إلى العلن أي موقف من الدول المعنية جميعها، حيال عرض الوساطة الذي تقدم به ترامب، والذي تحدث بلغة الرجل فائق القدرات، وقال إنه "سيتم التوصل إلى اتفاق بسرعة كبيرة" في حال انخرط شخصياً في حل الأزمة، بعدما جزم بأن الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة "وصلت إلى طريق مسدود". وقال ترامب "نثمن حقاً جهود الكويت وأعتقد أننا سنتوصل إلى حل، وإذا لم نتمكن من حل (الأزمة) سأكون وسيطاً هنا في البيت الأبيض".

كلام من غير المعروف إن كان تم النقاش فيه خلال اتصاله بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، بعد انتهاء لقاء الرئيس الأميركي بأمير الكويت. اتصال وصفه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأنه كان "جيداً جداً"، كاشفاً أن المسؤولَين ناقشا في الاتصال ما دار في لقاء ترامب وأمير الكويت، مشيراً إلى أن ترامب أكد على أهمية "وضع حد لهذا الخلاف، والجلوس على طاولة الحوار في أقرب وقت ممكن، وشدد على وضع جهود أميركا لإنهاء الخلاف بأسرع وقت". وبعد مرور أكثر من 18 ساعة على الاتصال الهاتفي، أعلن البيت الأبيض، في بيان، أن ترامب شدد على مسامع أمير قطر على ضرورة تنفيذ كافة مقررات قمة الرياض الأميركية ــ الإسلامية (مايو/ أيار 2017) التي تفيد روايات عديدة بأن خطة حصار قطر تم الاتفاق عليها خلال القمة، مع أنه لم يكن هناك أي كلام عن قطر خلال الاجتماعات في السعودية، وهو ما كشفه أمير الكويت في المؤتمر الصحافي من البيت الأبيض. وجاء في بيان البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي "أكد لأمير قطر أهمية الوحدة لمحاربة الإرهاب، وركز الرئيس على أهمية تنفيذ جميع الدول التزامات قمة الرياض للحفاظ على الوحدة وهزيمة الإرهاب في الوقت نفسه، ووقف التمويل للجماعات الإرهابية ومحاربة الفكر المتطرف". وتابع بيان البيت الأبيض إن المسؤولَين "بحثا أيضاً استمرار التهديد الذي تمثله إيران على استقرار المنطقة".


وكان وزير الخارجية القطري قد علّق على كلام أمير الكويت حول استعداد الدوحة لمناقشة عدد من المطالب الـ13، فقال إن قطر "ردت عليها كافة وموقفنا منها أن الحل هو من خلال الحوار على شرط ألا يمس هذا الحوار بسيادة قطر. وكان من الواضح جداً لأي شخص أن المطالب الـ13 جميعها تمس السيادة. ما فهمناه من تصريحات أمير الكويت أن هناك مسعى لإيجاد آلية لحوار، وهو ما تضمنته رسالة أمير الكويت" في النصف الأول من أغسطس/ آب الماضي. وذكّر بن عبد الرحمن آل ثاني، بتصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، والتي قال فيها إن "المطالب يجب أن تكون قابلة للتطبيق، وأنها أصبحت من الماضي". ورداً على سؤال لقناة الجزيرة حول استعداد قطر المباشرة في هذا الحوار المفترض قبل التراجع عن إجراءات الحصار، أجاب بن عبد الرحمن آل ثاني بالقول إنه "يجب أن يتم التراجع عنها (الإجراءات) ليحصل الحوار في بيئة مناسبة بلا ضغوط ولا أدوات غير قانونية، أما الإجراءات التي تتعلق بأمنهم الوطني فهي ترجع لهم"، وهو ما يوحي بأن قطر باتت تميز بين نوعين من الإجراءات المفروضة ضدها من قبل الدول الأربع.

موقف اعتبرته دول الحصار، في بيانها، فجر الجمعة، دليلاً "على رفض قطر للحوار"، قبل أن تتفرغ للرد على كلام أمير الكويت، ولتنفي وجود فرصة لإحراز تقدم على ما قاله الشيخ صباح الأحمد، على قاعدة أن "الحوار حول تنفيذ المطالب يجب ألا يسبقه أي شروط"، بحسب ما جاء في بيان نشرته وكالة الأنباء البحرينية أولاً. بيان نفى أيضاً ما قاله الأمير حول إحباطه مخططاً لتدخل عسكري من دول الحصار في قطر. وردت الكويت على بيان الدول الأربع متفادية التطرق إلى تصريحات أمير الكويت في البيت الأبيض، وإنما لتذكّر بأنها سعت منذ بداية الأزمة إلى تشجيع الحوار. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية إن "الكويت تؤكد على موقفها المبدئي حيال الخلاف، والذي سبق أن عبرت عنه منذ البداية، والهادف إلى التهدئة بدلاً من التصعيد وإلى الحوار البناء بدلاً من القطيعة".


في غضون ذلك، صدر إعلان ألماني عن متحدث باسم المستشارة أنجيلا ميركل، حول زيارة مقررة لأمير قطر إلى برلين منتصف سبتمبر/ أيلول الحالي، لتكون أول زيارة للخارج منذ الأزمة. لكن الإعلان الألماني لم يؤكده أي مصدر قطري رسمي، علماً أنه سبق للدوحة أن أوضحت أن أمير قطر لن يغادر بلده في أي زيارة قبل فك الحصار. وسبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن أعلن أن أمير قطر سيزور فرنسا في أواخر الصيف، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

على صعيد آخر، حدّدت موسكو موعداً لزيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى السعودية ومن بعدها الأردن بين 9 و11 سبتمبر/ أيلول لبحث عدد من المواضيع، من بينها الأزمة الخليجية والوضع في سورية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي، "إن لافروف سيلتقي في جدة الملك سلمان بن عبد العزيز، ونظيره السعودي عادل الجبير"، وذلك بعد أسبوعين من جولة لافروف في الكويت وأبوظبي والدوحة، حيث اعترف بأن بلده لم يقدم أي مبادرة وساطة، واكتفى بتأكيد دعم موسكو للوساطة الكويتية. وفي سياق مختلف، بحث وزير الدفاع القطري خالد العطية، مع نظيره الأميركي جيمس ماتيس، "تطورات الأزمة الخليجية" خلال اتصال هاتفي أجراه العطية بماتيس، حسب بيان صدر عن الدوحة، بالتزامن مع لقاء ماتيس ونظيره الكويتي محمد الخالد الحمد الصباح في مقر وزارة الدفاع الأميركية.

المساهمون