دولة فلسطين... قبل فوات الأوان

دولة فلسطين... قبل فوات الأوان

31 مارس 2016
+ الخط -
تبقى فلسطين في وجداننا العربي معضلةً ينبغي حلها، وهي تشكل بالنسبة إلينا أزمة ضمير أمام محاولات إسرائيل في الحيلولة دون إقامة الدولتين التي أجمع المجتمع الدولي عليهما، كما أنها تشكل مسؤولية كاملة في وجدان الشعب العربي عامة.
لذا، تشكل المستوطنات تهديداً واضحاً لاحتمال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود 1967، وهذا ما يفسّر أن الاستيطان وعملية اغتصاب الأراضي ومنع قيام الدولة العتيدة هو خرق لكل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. وبالتالي، الإمعان في وضع العقبات أمام قيام دولة فلسطينية، وفقاً للالتزام الدولي بذلك. وإذا استمر الحال على هذا المنوال، فالتآكل الذي يشكله الاستيطان، وقيام مؤسسات إسرائيلية مختلفة في الأراضي المغتصبة، دليل على قرار صهيوني بأن دولة فلسطين ليست التزام دولة إسرائيل الحالية. هذا بالاضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي يرفض قبول بضائع إسرائيلية منتجة في المستوطنات، ومعرفًة على أنها إنتاج إسرائيل، لأن الاتحاد الأوروبي يفرض أن يكتب على هذه البضائع أنها صنعت في المستوطنات، كونه لا يعترف أن المستوطنات جزء من الأراضي الإسرائيلية.
فالمستوطنات الفلسطينية هي أراض مغتصبة، وليست أراضيَ محتلة. وفي هذا الصدد، أيضاً، فإن ما تقوم به إسرائيل في القدس الشرقية، المفروض أن تكون عاصمة دولة فلسطين، من أعمال بناء مستعمرات، هو دليل على أنها ليست ملتزمةً إطلاقاً بالإجماع الدولي بحل الدولتين: إسرائيل وفلسطين، ما يجعلها مدانةً، وتمعن في خرق جميع القرارات الدولية ذات الصلة.
يُضاف إلى ذلك أن قطاع غزة تعتبره إسرائيل "كياناً عدائياً"، ما يفسر بدوره الحروب العدوانية الثلاث التي شنتها إسرائيل على القطاع، وكذلك الاستمرار في بناء المستعمرات في القدس الشرقية، وتقليص الوجود العربي تدريجياً، وبنمط متسارع، فيها، كما تم توسيع الاستيطان وتكثيفه في الضفة الغربية، ومن شأن ذلك كله أن يؤدي إلى صعوباتٍ جمة، إن لم يكن استحالة لقيام دولة فلسطين التي أجمع المجتمع الدولي على قيامها.
بدأ العالم يدرك خطورة هذه الوقائع والمخاطر. وبالتالي، نتائجها في الوقت الذي نجد فيه دولاً
عربية عديدة منشغلة بنزاعات داخلية وإقليمية، ما يحول دون تفعيل التزامها وحتمية قيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وغزة. ومن هنا، لا بد أن تتجه الأنظار نحو الدول العربية التي تشهد استقراراً، ولو نسبياً، مثل دول الخليج ومصر والجزائر وتونس وغيرها، كما تقوم بدورها القومي، وفي طليعتها مصر، ونظراً لكونها أكبر دولة عربية، ولها دور تاريخي نتيجة حجمها، والتي تستطيع، على الرغم من معاهدتها الموقعة مع إسرائيل منذ عام 1979، والتي لم يوافق عليها جميع مكونات الوطن العربي، فهي (مصر) تستطيع أن تقوم بضغوط قوية على إسرائيل، لحملها على وقف ممارستها العدائية على الشعب الفلسطيني، ووقف الاستيطان الذي من شأنه أن يقلص المساحة الفلسطينية. وبالتالي، تستطيع أن تدعم، بجديّةٍ تامةٍ، قيام دولة فلسطينية، حيث تدعم الدول الأوروبية هذا التوجه، وكذلك المجتمع الدولي بصورة عامة، فمن باب أولى أن تتولى الدول العربية الكبرى القيام بمثل هذا العمل القومي.
أما إذا استمرت إسرائيل في تحدّي قرارات الأمم المتحدة وخرقها، وبالتالي، الاستمرار في وضع العراقيل أمام قيام دولة سيدة فلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية. عندئذٍ، لا مفر من أن تكون السياسة الإسرائيلية الحالية المتصفة بالعدوانية على شعب فلسطين مكلفة في علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي، وخصوصاً مع الدول العربية، وبصورة أكثر خصوصية مع مصر.
ما تقوم به إسرائيل في الحالات الراهنة هو بمثابة استفزاز واضح، ليس فقط للأمة العربية وشعبها، بل أيضاً للمجتمع الدولي برمته، حيث أن الاستمرار في هذه الممارسات لا بد أن يشجع على توسيع قيام حركاتٍ، أمثال المطالبة بمقاطعة إسرائيل ومعاقبتها على أيدي طلاب وعناصر شبابية وشخصيات يهودية، على غرار ما يحصل في موضوع حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل، ال BDS ، وربما قد يتوسع ذلك إلى أمور أخرى في اتجاهٍ فريدٍ في تأييد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في مواجهة ومجابهة الاستفزاز الإسرائيلي المتزايد.
وعليه، لا تستطيع إسرائيل أن تتمادى في ممارساتها الاستفزازية بحق الشعب الفلسطيني، ففي النهاية، من شأن تلك الممارسات التي تمعن في الاستفزاز أن تستولد الرد، بفاعلية مشروعة.