دولة صندوق مصر السيادي

دولة صندوق مصر السيادي

07 سبتمبر 2020
انتقلت إلى الصندوق مؤخرا عدة أصول من بينها مجمع التحرير(فرانس برس)
+ الخط -

حصل صندوق مصر السيادي، الذي تأسس بموجب القانون 177 لسنة 2018، على مزايا وامتيازات ضخمة لم تحصل عليها مؤسسة حكومية قبله، بل ولم تحصل عليها حتى الوزارات السيادية بالدولة.
فالصندوق السيادي، وبحكم تعديلات حديثة تم ادخالها على قانون تأسيسه وأقرها البرلمان، بات محصناً بشكل كامل من المساءلة والرقابة الرسمية والشعبية والملاحقة القانونية، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب أمام شبهات الفساد والمحسوبية وربما إهدار المال العام، بل وتثير تلك التعديلات علامات استفهام عدة حول كيفية إدارة أموال الصندوق وأصوله، وكيفية التصرف في حصيلة بيع تلك الأصول المملوكة له والتي هي في الأصل أصول تابعة للدولة ومملوكة للمصريين.
صحيح أن أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي، خرج علينا يوم السبت مؤكداً أن الصندوق يخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ويقدم تقريراً سنوياً للجمعية العمومية ورفعه لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، لكن لم يقل لنا: هل رقابة الجهاز سابقة أم لاحقة، ومن يراقب أنشطة وقرارات مجلس إدارة الصندوق الذي بات يدير أصولاً تابعة للدولة تقدّر قيمتها بمئات المليارات من الجنيهات.
من يحاسب رئيس الصندوق وكبار مديريه في حال اتخاذهما قرارات وسياسات خاطئة تضر بأصول الدولة المدارة وتحقق خسائر فادحة للمال العام، وعلى أي أساس يتم نقل الأصول الضخمة التابعة للدولة إلى الصندوق السيادي، ما مصير حصيلتها في حالة بيعها، وهل هناك ضوابط تنظم عملية البيع بحيث لا تؤول هذه الأصول الاستراتيجية إلى جهات معادية للدولة المصرية، أو إلى مستثمرين عرب وأجانب يكونون معبراً وغطاء لرجال أعمال إسرائيليين، وربما تابعة لمؤسسات رسمية في دولة الاحتلال، وكيف يتفادى الصندوق السيادي الكوارث المالية وعمليات الفساد والرشاوي التي صاحبت برنامج الخصخصة وبيع أصول وشركات الدولة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

الصندوق السيادي حصل أيضاً على إعفاء معاملاته وأنشطته والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم، وهو ما يضيع مليارات الجنيهات على خزينة الدولة، ويطرح تساؤلات حول الهدف من تأسيس الصندوق، وما إذا كان الهدف هو تزويد الخزانة العامة التي تعاني من عجز مالي كبير بالسيولة النقدية ورفدها بالأموال كما تردد، أم اغتراف الصندوق المليارات من هذه الخزانة الخاوية عبر الإعفاء من سداد الضرائب، وإذا كانت مؤسسة بحجم الصندوق السيادي يتم إعفاؤها من سداد الضرائب والرسوم، فهل بات المواطن والموظف البسيط هو من يسدد تلك الضرائب من جيبه المخروم أصلاً.
الأمر الثالث يتعلق بالأصول الضخمة التي يتم التنازل عنها لصالح الصندوق، فقبل أيام انتقلت إلى صندوق مصر السيادي أبرز أصول مملوكة للدولة، آخرها أصول مساحتها 190 فداناً، أو ما يوازي 800 ألف متر مربع وتقع في قلب القاهرة وتقدر قيمتها بمئات المليارات من الجنيهات.
من بين هذه الأصول مبنى مجمع التحرير، أضخم مجمع حكومي في البلاد، والمقر القديم لوزارة الداخلية القريب من المجمع، والمقر السابق للحزب الوطني المنحل الذي تعرض لحريق أثناء ثورة 25 يناير ويقع على كورنيش النيل، ومباني وأرض القرية التعليمية الاستكشافية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض ومباني ملحق معهد ناصر بكورنيش شبرا مصر، وأرض حديقة الأندلس، وهي حديقة الحيوان سابقاً بطنطا.
لم يقل لنا أصحاب القرار، على أي أساس تم التنازل عن هذه الأصول الاستراتيجية المملوكة للدولة لصالح الصندوق السيادي، وهل هناك أصول أخرى في الطريق، برج القاهرة مثلاً، مرفق مترو الانفاق، الأراضي الضخمة المملوكة لسكك حديد مصر، مقر اتحاد الإذاعة والتلفزيون، حديقة الحيوان بالجيزة.
وأخيراً، لا أعرف حتى الآن ما طبيعة صندوق مصر السيادي، هل هو صندوق سيادي يتولّى إدارة فوائض الدولة المالية في الخارج على غرار الصناديق السيادية الخليجية، وصندوق النرويج، أكبر صندوق في العالم، أم أنه صندوق تؤول إليه أصول الدولة غير الدولة لإدارتها، وفي هذه الحالة ما الفارق بينه وبين الوزارات الاقتصادية، مثل وزارة قطاع الأعمال العام، والشركات القابضة التابعة لها عشرات من الشركات الحكومية.
مطلوب مزيد من الشفافية والوضوح حول أنشطة صندوق مصر السيادي، وكيفية ادارة أصول الدولة وصناعة القرار الاستثماري بالصندوق، وأوجه الصرف حتى لا تثار حوله الكثير من الأسئلة كما حدث مع صندوق تحيا مصر الملئ بالأسرار والمحاط بعشرات من علامات الاستفهام، أو أن يتحول الصندوق السيادي إلى دولة داخل الدولة، لأن هذا صندوق مملوك للمصريين ويدير أموال وثروات وأصول الدولة، وليس صندوق استثمار يملكه عدد من كبار رجال الاعمال والمستثمرين والشركات الخاصة الذين قد يحددون سياساته الاستثمارية وكيفية ادارة أمواله خلال غداء عمل.

المساهمون