دمى حكمتنا
الدمية باربي
على الرغم من أنها جاوزت الخمسين من عمرها، على عكس ما توحي قامتها الممشوقة البديعة التكوين، فإن "باربي"، الدمية الأميركية التي شكلت عقدة كبرى لأجيال متعاقبة من الفتيات اللاتي ابتلين بداء تقليد نمطها، ما تزال تتمتع بالجاذبية والسحر، وبذات المقاييس الجمالية الشديدة الكمال، الباعثة على الغيظ، لأن السنين التي مضت لم تترك أي بصمة على وجهها الذي ظل فتيا مشرقاً، حتى لحظة كتابة هذه السطور.
باربي، الدمية الأكثر شهرة في الكون، صممها رجل سيئ السمعة والسلوك، هو جاك رايان، الملقب بوحش اللعبة، والذي قضى منتحراً في العام 1991، بعد إصابته بمرض الإيدز. ووصفه عديدون من معارفه، وفق كاتب سيرته المؤلف الأميركي، جيريي أوبنهامر، بأنه كان مهووساً جنسياً مصاحبا لبائعات الهوى، مدمناً على المخدرات والكحول، وكثيراً ما كان يردد على مسامع المحيطين به أنه يريد باربي نموذجاً للجنس والإغراء.
معروف أن باربي، وملحقاتها، من زوج وسيم وبيت فاخر وسيارات فارهة وأزياء باذخة وإكسسوارات لا متناهية، حققت، منذ البدايات، انتشاراً غير مسبوق في الولايات المتحدة، وجنت أرباحا طائلة، لا حصر لها، وسرعان ما غزت كل الدنيا، شأن باقي مفردات الثقافة الأميركية الاستهلاكية. وتنبهت المنظمات النسائية مبكراً إلى مدى خطورتها، رمزاً ثقافياً شديد السلبية، وحاربت فكرتها ناشطات أميركيات كثيرات، واعتبرنها مسيئة ومعادية للنساء. في حين تلقفناها، في البلاد العربية منذ أواخر السبعينيات، من دون أي تحفظ، أو حتى إدراك فعلي لتأثيرها السلبي، وصارت بمثابة مقياس اجتماعي، يبرز التميز الطبقي لمقتنيها، نظراً إلى غلاء ثمنها، وصارت العائلات تتباهى بأنها قادرة على توفير "باربي"، وملحقاتها، لبناتها.
فيما بعد، حاولت ثقافات كثيرة إيجاد بديل موضوعي لباربي الأميركية الفاتنة، مستمد من البيئة المحلية، فطالب السود في أميركا بباربي سوداء، تلبي أشواق السوداوات الصغيرات لذلك العالم المترف، والذي كان حكراً على البيض عقوداً طويلة، وكان لهم ذلك. كما ابتكر العرب الدمية فلة الجميلة والوقورة، ذات المظهر اللائق، والتي حققت انتشاراً كبيراً، بحيث أصبحت تنافس "باربي" في الأسواق العربية، لا سيما أن سعرها أقل بكثير من سعر "باربي". وعلى الرغم من أن فلة ذات لباس إسلامي محتشم، إلا أنها لا تختلف في جوهرها عن "باربي"، فما زالت تتمتع بالمقاييس الجمالية نفسها، غير الواقعية، على الرغم من الغطاء الذي لا يعدو أكثر من ابتزاز مكشوف لجمهور المستهلكين، وإن اختلفت الألوان، فأصبحت العيون سوداء كحيلة، والشعر داكناً، غير أن لدى فلة العربية كذلك ملحقات وأدوات رخاء وترف كثيرة، وهي تقدم النموذج المضلل ذاته، الشديد الخطر والتأثير على عقول الصغيرات، لأنها تكرر فكرة "باربي"، من حيث تجسيد الحلم الأميركي بالجمال الدائم، والحياة الوردية المترفة المفرطة الدلال. وتكرس، بدورها، نموذجاً سطحياً بمعايير بالغة في الإسفاف، ستنجم عنه، بالضرورة، أَجيال مشوهة من صبايا متأثرات بفلة، الفتاة الرشيقة الجميلة، السعيدة بمقتنياتها من بيوت وأزياء، هانئة بحياتها القائمة على الوهم. وإذا اتفقنا على أن اللعب وسيلة للتدرب على الحياة، فإن هؤلاء الصغيرات سوف يصبحن أمهات غير مؤهلات لتقديم أي خبرة، أو قيم إنسانية لأطفالهن، سوى مهارات التسوق ومتعة التجول بين المولات، وهنا، بالضبط، مكمن الخطر!