دمشق بين الهجمات التكتيكية والمعركة الكبرى

دمشق بين الهجمات التكتيكية والمعركة الكبرى

03 ابريل 2017
مقاتل من "فيلق الرحمن" (فرانس برس)
+ الخط -
"رصاصة واحدة تطلق في دمشق خير من تحرير بلدة في الشمال"، هكذا شرح لي صديقي من إدلب رأيه معلقاً على انطلاق معركة "يا عباد الله اثبتوا" في العاصمة السورية، انطلاقاً من حيي جوبر والقابون، وهو رأي يعبر عن انطباع سائد لدى معظم الثوار والناشطين السوريين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم الجغرافية، والسبب أن النظام يحكم مناطقه بمساعدة المليشيات وغرف العمليات الروسية والإيرانية في أنحاء البلاد من دمشق.

وبعد أعوام من الإحباطات المتتالية، أو المد والجزر بصفة أدق، تلقى السوريون أنباء المعركة الأخيرة بمزيج غريب من المشاعر، فقد طغى التحذير من رفع سقف التوقعات على الفرح بالنكسة والخسائر التي حلت بقوات الأسد والمليشيات الأجنبية نتيجة المعركة، وهو تريث في محله، إذ لا يمكن تخيل أن تكون معركة ساحتها مدينة كبرى، وتحمل أهمية قصوى للعدو ومستعد للاستماتة في الدفاع عن سيطرته عليها كمدينة دمشق، هينة على الثوار في ظل تفرقهم وتشرذمهم، ما لا يخفى على أحد، إلى جانب الفجوة الكبيرة التي تفصلهم عن عدوهم من حيث الإمكانات والتسليح والدعم الخارجي.


ورغم كل ذلك، لا تنبغي الاستهانة بأهمية أية هجمات عسكرية يشنها الثوار ضد قوات الأسد والمليشيات الأجنبية المرتزقة، لا سيما في العاصمة دمشق أو في محافظة اللاذقية منبع الشبيحة، كما لا ينبغي رفضها بحجة أنها تستهدف المدنيين أو أن الحفاظ على دمشق بعد خراب المدن المحررة أفضل من توفير الفرصة للنظام لتدميرها مقابل لا شيء، وهذه حجج قد تنطبق على بعض تلك الهجمات التي شاهدناها في الماضي، مثل دخول عدد من كتائب الجيش الحر بقيادة أبو علي خبية إلى حي الميدان الدمشقي عام 2012، وهو دخول لم تكن خلفه خطة محكمة، واستند إلى التفكير الحماسي، والتعويل على المظاهرات والوعود المرسلة بمؤازرات لم تصل، ولم تملك هذه الكتائب لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد ما يمكنها من مجرد الاحتفاظ بالميدان، فضلاً عن إعلان معركة دمشق.

وشبيه بهذه الهجمة الفاشلة التي أقر خبية نفسه في حديث صحافي له أنها كانت "غلطة"، ما قام به جيش الإسلام عام 2015 من رشق دمشق بعشرات من الصواريخ رداً على قصف دوما والغوطة الشرقية من قبل طائرات الأسد، إلا أنها لم تكن سوى ردة فعل غاضبة، لم تتمكن من إيذاء النظام، بل استطاع الأخير توظيف هذه العملية لمصلحته على المستوى الدولي، وتصوير نفسه بوصفه ضحية لا قاتلاً، ولاقت العملية بالمجمل ردود فعل سلبية في أوساط الثورة، ما اضطر زهران علوش، قائد جيش الإسلام وقتها، لإعلان إيقاف الحملة، كاشفاً عدم وجود خطة أو أية رؤية لمجمل التحرك.

ولو دققنا في معركة "يا عباد الله اثبتوا" التي قادها "فيلق الرحمن" وشاركت فيها "هيئة تحرير الشام" وحركة أحرار الشام، نلاحظ أنها تلافت جميع المحاذير المذكورة تقريباً، إذ بدأت بتعتيم إعلامي كبير استمر ساعات طويلة، ريثما تأكد الثوار أن هجومهم حقق أهدافه الأولية، وهذا بحد ذاته كان كفيلاً بعدم رفع سقف التوقعات من المعركة، وخفض درجة الحماسة الإعلامية لدى الناشطين إلى أدنى حد، ومع صدور البيانات وظهور المتحدثين الإعلاميين توضحت أهداف المعركة التي تركزت في فك الحصار عن حي القابون من خلال وصله بحي جوبر، وتنظيف كامل المنطقة الواقعة بين الحيين من حواجز وتحصينات لقوات الأسد والمليشيات الأجنبية، ما يضمن تعزيز وضع الثوار في هذه الجبهة الحساسة من جبهات دمشق وتحصينها أمام أي سيناريو مماثل لما حدث في داريا ومناطق أخرى تم تهجير أهلها قسرياً، بالإضافة إلى القضاء على غرفة عمليات النظام في المنطقة، ما ألحق به خسائر فادحة في الأرواح والعتاد والسيطرة الاستراتيجية.

هذه العملية رغم طابعها الدفاعي بشكل عام، ورغم تراجعها الميداني بعد أيام، حققت نتائج هجومية متقدمة فعلت فعلها في الواقع السوري، تتعلق بكسر المسار الثوري العام الآخذ في الانحدار، وكشف هشاشة قوات الأسد وقابلية طردها حتى من عقر دارها، وإرسال رسائل عسكرية وسياسية باتجاهات شتى في الداخل والخارج مفادها أن توهم عودة الأمور إلى الوراء في سورية ما بعد الثورة لن يضر إلا أصحابه.

وبوجه عام، فإن أي عملية عسكرية يشنها الثوار في دمشق تحمي المدنيين ولا تستهدفهم، وتكبد قوات الأسد الخسائر، وتنال من وضعه الاستراتيجي، وتتجنب الاندفاع الحماسي غير المخطط له، هي عملية مطلوبة بشدة، ريثما تنضج ظروف المعركة الحقيقية الكبرى التي سيتم من خلالها إلقاء القبض على الأسد وتسليمه ليد العدالة أو معاجلته بمصيره المحتوم.

المساهمون