Skip to main content
دكاكين عراقيّة لبيع بحوث التخرّج والأطروحات
أحمد النعيمي ــ بغداد
تؤمّن بحوث التخرج في مقابل مبالغ ماليّة (العربي الجديد)

يلجأ عدد كبير من الطلاب العراقيّين اليوم، إلى شراء بحوث تخرّجهم التي أعدّها أساتذة ومتخصصون، من دكاكين بالقرب من جامعاتهم. بذلك، يوفّرون على أنفسهم الجهد والوقت ويضمنون علامات عالية وتقديرات جيّدة.

"مستعدون لعمل بحوث التخرج".. "مستعدون لكتابة رسائل الماجستير".. "لدينا بحوث تخرج وأطروحات للدراسات العليا"... إعلانات قد نجدها على واجهات دكاكين وأكشاك الاستنساخ بالقرب من الجامعات العراقية في بغداد. هي إعلانات صغيرة الحجم، لكنها تغري طلاب شهادة البكالوريوس والدراسات العليا. فهؤلاء واختصاراً للجهد والوقت، قد يُقبلون على تلك المحلات للحصول على بحوث التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه الجاهزة في مقابل مبالغ ماليّة.

علي عدنان (21 عاماً) يتابع دراسته في كلية الآداب في جامعة بغداد. يشير إلى أنّ "ثلاثة أرباع طلبة الكليات تقريباً يلجأون إلى بحوث التخرج الجاهزة التي تباع في محلات وأكشاك الاستنساخ، أو يكلفون أشخاصاً مختصين بذلك. وما على الطالب سوى قراءة بحثه أو رسالته قبل تقديمهما". ويوضح عدنان أن "طلبة الكليات بغالبيتهم العظمى، لا يعرفون كيف يبدأون في البحث أساساً. وهذه مصيبة كبرى. كذلك فإن الوضع الأمني الخطير يعرقل تنقل الطلاب بين المكتبات، بحثاً عن المصادر التي تعدّ قليلة في الأساس بعد احتراق المكتبات الرئيسية في البلاد".

أبو ماجد (45 عاماً) صاحب محل للاستنساخ، يخبر أنه يلجأ إلى "أشخاص متمرّسين في كتابة البحوث يحصلون على نسبة من مبيعاتها، أو راتب شهري بحسب الاتفاق بيننا. ونحن نقوم ببعض التعديلات ونغيّر العنوان وبعض التفاصيل". يضيف أنه لا يمكن غضّ النظر عما للإنترنت من فائدة في هذا المجال، إذ يمكن العثور على آلاف البحوث والدراسات والمقالات المنشورة على الشبكة.

ويشير أبو ماجد إلى أنه من الأسباب التي تدفع الطالب إلى ذلك، "عدم متابعتهم شرح الأساتذة المحاضرين بشكل صحيح، بالإضافة إلى المستوى العلمي المتدني". أما أسعار هذه البحوث، فما بين 75 و 100 ألف دينار عراقي (63 - 85 دولاراً أميركياً) لبحث شهادة البكالوريوس، وما بين 5 و7 ملايين دينار (4250 - 6000 دولار) لرسالة الماجستير.

ويتابع أبو ماجد أن "قلة ثقافة وخبرة الطالب وخطورة الوضع الأمني، لا تسمحان له بالتنقل بين المكتبات بالإضافة إلى قلة المصادر التي يحتاجها في بحثه. فيلجأ إلى البحوث الجاهزة".

ويأتي جهل طلبة الكليات بإعداد البحث، نتيجة عدم تركيز الأساتذة على تعليمهم الطرق الصحيحة والمنهجية لذلك. فيجدون أنفسهم وقد توجهوا إلى أحد المكاتب أو الدكاكين المنتشرة للاستنساخ.

أما رسائل الماجستير والدكتوراه فهي من تخصص أساتذة متمرسين بذلك. وتنتشر تجارة البحوث والرسائل في شارع المتنبي وباب المعظم، ومناطق أخرى بالقرب من الجامعات العراقية. ويقول الدكتور طه الهاشمي وهو أستاذ محاضر في التاريخ، إنّ "ظاهرة البحوث الجاهزة ليست جديدة. هي انطلقت في منتصف تسعينيات القرن الماضي حين كان راتب الأستاذ الجامعي لا يكفيه لسدّ احتياجاته. فاضطر عدد كبير من الأساتذة إلى إعداد بحوث التخرج ورسائل الماجستير للطلبة، في مقابل مبالغ مالية. وشجّع هذا الأمر انتشار هذه الظاهرة، خصوصاً بين طلبة الكليات الإنسانية".

يضيف الهاشمي أن "هذه الظاهرة انتشرت بشكل غير مسبوق بعد عام 2003. وهذا ما ينعكس سلباً على الطلبة المتفوقين والمجتهدين وينعكس بشكل عام على التعليم العالي. لذا نلاحظ انحداراً كبيراً في التعليم العالي، ولم تعد شهادات الماجستير والدكتوراه تساوي قيمتها الحقيقية، إذ أصبحت متاحة لمن يملك المال. وهذا أمر ينتشر حتى في الجامعات حول العالم ".

باسل ياسين أو "البروفسور" واحد من معدّي تلك الأبحاث. في غرفته يغرق بين مئات الكتب والمراجع من مختلف التخصصات، في حين تتناثر أوراقه على أرض غرفته. يقول: "كتبت بنفسي عشرات بحوث التخرّج وقد شاركت آخرين بكتابة عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه. وقد حصل هؤلاء الذين قصدوني على تقديرات عالية". يضيف: "أنا أستحق بالفعل لقب البروفسور"، على الرغم من أنه لا يملك سوى شهادة بكالوريوس في الآداب.

وعن أسباب لجوء الطلبة إليه لكتابة بحوثهم، يقول ياسين إنّ "نحو 70% من الطلبة لا يملكون ثقافة عامة، ولا يعرفون معنى البحث العلمي أساساً. وأتعجب من أساتذة الجامعات. ما الذي يقدمونه للطلبة في جامعاتهم؟ طلبتنا لا يفقهون شيئاً عن أسس البحث العلمي، فيضطرون إلى الاستعانة بي وبأمثالي من المتخصصين في كتابة البحوث". ويوضح أنه يتقاضى ما بين مليون ومليون ونصف مليون دينار (850 - 1275 دولاراً)، في مقابل كتابة بحث تخرّج، وما بين 3 و5 ملايين دينار (2550 - 4250 دولاراً) في مقابل مشاركته في إنجاز رسالة الماجستير والدكتوراه في الاختصاصات الإنسانية فقط، كالتاريخ والجغرافيا وعلوم الفلسفة والنفس والمنطق واللغة العربية.

هدى عبد الله طالبة في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد. هي تشعر بالإحباط عند إثارة موضوع البحوث الجاهزة. فهي تجهد في العمل على بحثها، وتحاول الحصول على أكبر عدد من المصادر والمراجع أو شراءها، في حين ترى زملاء آخرين يشترون البحوث الجاهزة ويحصلون بالتالي على درجات أعلى من درجاتها أحياناً. وتقول بامتعاض: "من الإجحاف بحق العلم والمعرفة أن تنتشر ظاهرة شراء البحوث الجاهزة، أو تكليف من يكتبها بدلاً من الطالب". وترى أن "كارثة ستحل يوماً ما في البلد. لكن المستغرب أنّ بعض أساتذة الجامعات، هم الذين يقومون بكتابة رسائل الماجستير والدكتوراه لبعض طلابهم سراً".

إلى ذلك، يحذّر أساتذة ومختصون من انتشار ظاهرة بيع البحوث والرسائل، مطالبين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالعمل على وقفها ومحاسبة من يبيع البحوث من جهة، وتوفير المصادر والمراجع اللازمة من جهة أخرى، بالإضافة إلى ضرورة إخضاع طلبة الجامعات لدورات خاصة حول كيفية إعداد البحوث والدراسات العليا. ويقول المشرف العام على قسم التطوير في جامعة بغداد الدكتور جاسم الزيدي، إن "هذه الظاهرة خطيرة ومخيفة. وبعض الأساتذة يطلبون من مقدمي البحوث، حلف اليمين بأنهم هم الذين أنجزوها".