دعوات في ألمانيا للخروج من "منطقة الأمان" في السياسة الخارجية

دعوات في ألمانيا للخروج من "منطقة الأمان" في السياسة الخارجية

31 اغسطس 2020
دعوة برلين إلى مشاركة أكبر في معالجة القضايا الدولية (مايا هيتيج/Getty)
+ الخط -

تقف ألمانيا على مفترق طرق في هذه المرحلة السياسية من التحولات التي يعيشها العالم، بين أن تكون المبادر لتدوير الزوايا بين الفرقاء أملا بتسويات عملية منتجة تجنبا للمزيد من الصراعات، في ظل التصعيد السياسي والعسكري بين اليونان وقبرص ومصر بوجه تركيا، على خلفية الخلاف المتعلق بالتنقيب شرقي المتوسط، إلى الأزمات التي تعاني منها سورية ولبنان والدول الأفريقية الواقعة على الحدود الأوروبية، مثل ليبيا التي أصبحت مرتعا للجماعات المسلحة وطريقا لعبور المهاجرين، عدا عن العلاقة غير السوية مع موسكو والولايات المتحدة.

أمام هذا الواقع، برزت العديد من المطالبات في ألمانيا لتزخيم دورها في السياسة الخارجية والاستفادة من رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي حاليا، وحضور المستشارة أنجيلا ميركل بما لها من حضور على مستوى المنطقة والعالم، لترسيخ قناعتها المتعلقة بإدارة الملفات بدبلوماسية حازمة بعيدا عن الشعبوية، وبتكريس أطر تنتج الحلول العملية، أي الخروج من منطقة الأمان للعب دور عالمي، وعدم ترك العالم يتشكل من الآخرين. 

وفي هذا الإطار، أبرز السياسي عن الحزب المسيحي الديمقراطي في البوندستاغ وعضو اللجنة الأوروبية كريستوف بلوس، مع الأستاذ في جامعة ماينز أندرياس رودر، في مقاربة عبر صحيفة "دي فيلت"، أنه "لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون لاعبا عالميا في عالم يتزايد فيه الحديث عن (حرب باردة ثانية)، وهذه المرة بين الولايات المتحدة والصين، وروسيا تلعب أيضا دورا حاسما في القضايا السياسية حول العالم، كما هو الحال في الأزمة السورية أو في شبه جزيرة القرم، أو بحر الصين الجنوبي، وفيما يبدو أن القانون لا ينطبق على القوى العظمى، بل قانون الأقوى".

 

كذلك، شدد بلوس ورودر على ضرورة الابتعاد عن الصورة النمطية، حيث "غالبا ما ينظر إلى أن الدور الأكبر لألمانيا والأوروبيين كفريق يتمثل بتقديم مساعدات التنمية أو الدعم المالي في الكوارث، ولم يثبت مثلا بعد أن الاتحاد الأوروبي يتبع سياسة متماسكة تجاه الصين، وهذا ما ينطبق أيضا على التعامل مع الولايات المتحدة".

وأضافا أنه "تجب إعادة تعريف المصالح الألمانية والأوروبية ودمجها لتكون أكثر اتساقا مع الشركاء الأوروبيين"، ولتبرز "دي فيلت" أنه من وجهة النظر الألمانية "لا ينبغي أن يكون الهدف الظهور بمزيد من الثقة بالنفس فقط أمام القوى العظمى الأخرى، لكن لتصبح على صلة بالسياسة العالمية جنبا إلى جنب مع باقي الأوروبيين، والجمع بين مصالح التجارة الخارجية والقيم الأوروبية، كسيادة القانون وحرية التعبير وحقوق الإنسان". 

شدد بلوس ورودر على ضرورة الابتعاد عن الصورة النمطية، وحيث "غالبا ما ينظر إلى أن الدور الأكبر لألمانيا والأوروبيين كفريق يتمثل دوره بتقديم مساعدات التنمية أو الدعم المالي في الكوارث، ولم يثبت مثلا بعد أن الاتحاد الأوروبي يتبع سياسة متماسكة تجاه الصين، وهذا ما ينطبق أيضا على التعامل مع الولايات المتحدة

ولكسب وزن أكبر في السياسة الخارجية، دعا كل من بلوس ورودر ألمانيا إلى "تطوير فكرة واضحة عن مصالحها، بينها التنموية والاقتصادية والخارجية والسعي لتحقيقها"، مبرزين أنه "يمكن لبرلين أن تستند إلى قوى أوروبية حليفة تملك قوتين نوويتين، ولهما مقعدان في مجلس الأمن، ومع ألمانيا لديها رابع وخامس وسادس أكبر اقتصادات في العالم مع 210 ملايين نسمة". 

وأوضحا أنه "إذا ما أرادت أوروبا أن تؤكد نفسها إلى جانب باقي دول القرار قوةً مستقلةً في العالم، فهذا يتطلب من برلين أن تترك وراءها اليقين والراحة القديمة، وتفكر بشكل استراتيجي، وإجراء جردة واقعية للتحديات السياسية والعالمية، وبخاصة أنه عندما ينظر العالم إلى أوروبا ينظر إلى ألمانيا أولا، ويتوقع منها القيادة السياسية".  

 

العودة إلى لبنان

من جهة ثانية، أبرز المتحدث باسم السياسة الخارجية عن كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البوندستاغ النائب نيلز شميد، في مقال له أخيرا مع صحيفة "دي فيلت"، أهمية أن يعود الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، واعتبار انفجار مرفأ بيروت "آخر دعوة للاستيقاظ، وآخر جرس إنذار قبل انهيار الدولة"، وليبرز أنه "إلى جانب التجلي العاطفي أو المواقف الاستعمارية الجديدة، فإن لبرلين مصلحة استراتيجية في دولة واقعة في الجوار المباشر على المتوسط"، مؤكدا أهمية "مرافقة المجتمع المدني، بعد أن مزقت المحسوبيات الطائفية بلدا متعدد الأديان، وأضعفت مؤسساته، وحددت الحياة السياسية في البلاد، وحيث ظهر في الأشهر الأخيرة الإفلاس الوطني والفشل السياسي الصارخ للنخب الحاكمة".

وأشار إلى أن هذا الوضع "يتطلب من ألمانيا وفرنسا التنسيق بشكل وثيق، وأن تكون معاهدة آخن والأرضية المشتركة داخل الاتحاد أساسا لمبادىء العمل"، من دون أن ينفي قرب فرنسا الخاص من لبنان، و"هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها الحيلولة دون تعريف علاقتنا بلبنان بأنها مجرد عامل مشتق من السياسة مع إيران، كما تفعل الحكومة الأميركية". 

وطرح شميد عدة أفكار يمكن أن تساعد، بينها إعادة بناء المستشفيات المدمرة في بيروت، وتقديم الدعم المالي لاستيراد الأدوية، والمساهمة في أمور أخرى ملحة، بينها مكافحة كورونا، ناهيك عن معالجة بناء محطات الطاقة الحديثة التي تعمل بالغاز، والتوسع في المشاريع التي تعتمد على الطاقة المتجددة، ووضع حد لمافيا المولدات، و"في هذا المجال يمكن للشركات الألمانية والأوروبية أن تلعب دورا رئيسيا".

وشدد على أن "حماية الدولة من قبل الحكومة في برلين والاتحاد الأوروبي ضرورية"، ناهيك عن "التضامن والتنمية الحضرية بدلا من التحسين، وعلى عكس إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية من قبل شركة سوليدير، وألا تكون مصالح العرب الأغنياء في المقدمة عند إعادة ترميم الأحياء المتضررة، وربط المساعدات المالية من دول الاتحاد الأوروبي بشرط استخدام الأموال بشفافية، وأن يشارك مواطنو بيروت في التخطيط الحضري".

كما أبرز السياسي الألماني أنه يتعين على البنك المركزي والبنوك التجارية الإفصاح عن أرقامها، وأن "يدفع ثمن المسؤولية عن الإفلاس من تسبب به، وإلا فلن تكون هناك أموال جديدة، لا من صندوق النقد الدولي ولا من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تعزيز مكافحة الفساد".