دستور جديد لسورية

دستور جديد لسورية

14 يوليو 2019
+ الخط -
جرى الإعلان، على مدى ثماني سنوات، عن جهود دولية كبيرة لحل القضية السورية، فقد أصدر مجلس الأمن عدة قرارات، وحرّرت رئاسته عدة بيانات غير ملزمة إلى كل الأطراف، وجرت مداولاتٌ ولقاءاتٌ بين الدول الكبرى ودول الإقليم، كان الوضع السوري حاضراً فيها بقوة.. وذلك كله كان يجري والحرب قائمة على الأراضي السورية، والجبهات مفتوحة، والنيران مشتعلة.
استُخدمت خلال الحرب السورية أسلحة محرّمة وأساليب عسكرية ممنوعة، واستبيح كل شيء تقريباً، حتى وصل الحال إلى التموضع الحالي المعروف: شرقي الفرات مقاطعة معزولة يسيطر عليها الأكراد بدعم أميركي، ومنطقة شمالية تضم إدلب، مع مساحات زراعية ريفية تابعة لحلب واللاذقية وحماة، تسيطر عليها فصائل مختلطة مع وجود تركي محسوس، وما تبقى من الأراضي يعاني من سيطرة بوليسية مطلقة، وقبضة نظام مستبد، مع أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة تشارك في تصعيدها نتائج الحرب وسلوكيات النظام. تختصر الأمم المتحدة اليوم جهودها في تشكيل لجنة دستورية، وتَعتبر أن هذه اللجنة هي المقدمة السياسية للخلاص السوري. وتحت هذا العنوان، جاء المبعوث الأممي، غير بيدرسون، إلى سورية، وخرجت من وسائل إعلام النظام، ووزير خارجيته وليد المعلم، نغمةٌ سعيدة بقرب التوصل إلى اتفاق. صادق بيدرسون على كلام المعلم في مؤتمره الصحافي، وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج بها موجات السعادة، بالاتفاق على تشكيل اللجنة، فقد سبقتها تصريحات مماثلة خلال العام الماضي.
يعتقد المجتمع الدولي، أو يحلو له الاعتقاد، بأن المشكلة في سورية سببها عدم وجود دستور، وبتشكيل لجنة تصيغه، ستتحول سورية إلى دولةٍ حديثةٍ حضارية، فيما التاريخ يقول إن سورية حُكمت منذ عام 1920 بدساتير بعضها كان عصرياً ومنفتحاً، ولكنها لم تكن قادرةً على تحقيق استقرار سياسي، ولم تمنع تحول سورية إلى دولة دكتاتورية، تحكمها المجمعات الأمنية، وتحافظ على استقرارها بقوة أجهزة المخابرات، وليس بمعدلات التنمية أو بمستويات دخل الفرد المرتفعة. يتجاهل من يعتقد أن الحل في وجود دستور جديد الحكاية السورية، وتحولاتها السياسية والاجتماعية العنيفة، ويتجاهل الأسباب القريبة للحرب، وتبدل القيم وسطوة مشاهد العنف والكراهية، ويريد المجتمع الدولي ببساطةٍ أن يصفِّر العداد، ويعود إلى نقطة بدء جديدة، بما يشبه محاولة البناء فوق الماء، والناتج سيكون بالتأكيد بناءً مهتزّاً مصيره الغرق.
الدستور وثيقة أساسية، وهي المرجع النهائي الذي يقرّر شكل الدولة وملامحها، ويؤمّن لها تخوماً واضحة لكل سلطة تفرضها. ولكن قبل وضع الدستور يجب توفر مجتمع صالح يكون هذا الدستور ناظماً له، وهو ما لا ينطبق على المجتمع السوري الحالي الممزّق، وأكثر من نصفه مهاجر، ويحمل صفة لاجئ، ولديه أولويات لا يشكل الدستور إحداها. وهناك تحت سلطة النظام معتقلون، يحتجزهم في سجونه، أو يحاول التخلص منهم بأي طريقة، وهؤلاء قد لا يأتي أي دستور على ذكرهم، على الرغم من أن بيدرسون قد ذكر أن قضيتهم إنسانية، ولها أولوية في الحل، أما علاج مسألة ضحايا القصف والنيران على مدى السنوات الثماني الماضية فمساره مختلف، ويحتاج تدخلا من نوع آخر.
العبث الرهيب بمجتمع، يتداعون إلى وضع دستور جديد له، ما زال جارياً، وبشهادة المجتمع الدولي ذاته الذي يعلن على الملأ أعداد الضحايا الذين يسقطون يومياً في الشمال، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية انتهت للتو من تشكيل لجنة تحقيق جديدة في حوادث جرت قبل سنين في دوما وإدلب ومناطق أخرى.. ونتائج هذه التحقيقات معروفة سلفاً، فالطرف الذي يستخدم هذا السلاح واضح للجميع، وهذا الطرف طُلب منه أن يرشّح خمسين اسماً، للمشاركة في لجنة صياغة الدستور، وهو يتدخل كذلك في حصة المجتمع الدولي، بعد أن فشل في إلغائها، وحين يخرج دستور مضرج من هذا النوع سيَعتبر المجتمع الدولي أن الأمر بحكم المنتهي، وقد يباشر فوراً بإرسال ورشات إعادة الإعمار.