درويش العاشق والمعشوق

درويش العاشق والمعشوق

14 يونيو 2020
+ الخط -
ما زال الزلزال الذي أحدثَه الشاعر والروائي سليم بركات، وتحدّث فيه عن صديقه الشاعر الفلسطيني محمود درويش، في جريدة "القدس العربي"، ما زال حديث الساعة، وكل يوم نرى ارتدادته، على شكل ردودٍ ومقالاتٍ، تُكرّس نوعاً من الاصطفافات بين جبهتين: جبهة أنصار الشاعر الفلسطيني التي تعتبر درويشاً رمزاً للقضية الفلسطينية وللمقاومة، ولا تقبل بأن تمسَّه أية شائبةٍ، وتنظر إلى ما كتبه سليم بركات، على أنه خيانةٌ لصديقه درويش الذي طالما اعتبره ابناً له، وكتب عنه (ليس للكردي إلا الريح)، وهو بهذا المقال سدّد طعنة نجلاءَ لصديقه، فليس من داعٍ للنشر الآن، بعد ثلاثين عاماً على اعتراف درويش بأن له ابنةً من امرأةٍ متزوجةٍ، وبعد عشر سنين على رحيله.

هل ما دفع بركات كما يقول هذا الفريق، هو الغيرة من مكانة ورمزية درويش، ومحاولة جذب الأضواء إليه، ومحاولة الترويج والدعاية للكتاب الذي سيصدر لاحقاً، والذي يحمل بين دفتيه المقال الزلزال؟

وفي الجبهة الأخرى يدافع أنصار سليم بركات عنه، ويقولون إن بركات شاعر كبير، وليس بحاجة ليفتعل قصة ليصبح ذا شهرة، وليتسلق على أكتاف صديقه الراحل، وبأن بركات يعبر عن حبه لدرويش وبنوّته له، وهو لم يكتبْ ليقتل أباه.


وإن ما جاء في المقال سيرة ذاتية يتطرق فيها لعلاقته بدرويش، وما فضفضَ له من أسرارٍ، في لحظات تجلٍ إنسانيٍّ، وإن مناسبة نشر المقال القديم الذي يعود إلى ثماني سنواتٍ خلتْ، هو أنه جزءٌ من مقالاتٍ يضمّها الكتاب المُعنون (سليم بركات: لوعة كالرياضيات وحنين كالهندسة)، والذي سيصدر لاحقاً، وأن بركات لم يتعمدِ الإساءة لصديقه.

بعيداً عن رأي كلا الجبهتين والمناكفة والحرب التي تجلّتْ، في وسائل التواصل، وفي الحبر الذي فاض وأُريقَ في بعض الصحف والمواقع، لا يمكن الحكم بشكلٍ حادٍ على أيٍّ من الشاعرين بأن الأول مُدانٌ أخلاقياً، والثاني عاقٌ لأبيه وخائن.

يبقى سليم بركات شاعراً كبيراً مُحبّاً لصديقه، ولو أنه في لحظةٍ ما أفشى سرّاً له، كان يجب أن يبقى طيّ الكتمان. ربما ستوضح الأيام القادمة سبب ما قام به، وتحمل إجاباتٍ لأسئلةٍ كثيرة.

وسيبقى محمود درويش قامة شعرية كبيرة، ورمزاً للنضال، ومن حقه كإنسانٍ أن يعشق ويتيه حباً، كأيِّ شخصٍ، وأن تكون له أسراره التي أمّنها عند بعضهم.

يمكن القول انطلاقاً من منطق القياس الأرسطي (نسبة إلى أرسطو): كلُّ إنسانٍ عاشق - درويش إنسان - درويش عاشق. حيث تؤدي المقدمتان الكبرى والصغرى، إلى النتيجة الحتمية.

وفي ما يتعلق بي كان لي حلمٌ، وأنا طفل صغير أن أحظى برؤية محمود درويش، وتحقق الحلم ذات يوم، من القرن الفائت، في دمشقَ في صالة الفيحاء الرياضية. بصعوبةٍ بالغةٍ استطعت الوصول إلى داخل الصالة، فقد امتلأت الشوارع والساحات المحيطة، بالمكان بالجماهير المُحبة له، وكلٌّ يُمنّي النفس بحضور الأمسية الشعرية.

كانت أمسيةً للتاريخ والذكرى، وكان حضور الشاعر مَهيباً جميلاً، وفيها باح درويش بأسراره الجمالية الآسرة، وها أنا الآن أفشيها، ولم يكن ليُنغّصَ تلك الأمسية الرائعة إلا الرعاية الكريمة، من قبل وزير الدفاع، وحضوره شخصياً مع عناصره، ويومها تعجبتُ كيف تركتْ بعض الفتيات درويشاً، والتفتنَ إلى سيادة الوزير، ليأخذنَ معه بعض الصور التذكارية، وربما لأنهنّ يعرفْنَ ولع الوزير وحبه الشديد لذلك، ويعرفْنَ بأن عشق محمود درويش الأكبر للقصيدة ولفلسطين.

دلالات