دروس من انتفاضة الخبز

دروس من انتفاضة الخبز

14 مارس 2017
قطع المتظاهرون الطرق وحاصروا المسؤولين في مكاتبهم (تويتر)
+ الخط -

لأول مرة منذ انقلاب يوليو/تموز 2013 تخرج جماهير شعبية غاضبة إلى الشوارع على مدى يومين، 7 و8 مارس/آذار الجاري، احتجاجاً على قرار النظام بتخفيض دعم الخبز وتخفيض حصة الفرد من خمسة أرغفة إلى ثلاثة، لحاملي البطاقات الذكية، وإلى خمسة أرغفة فقط للأسرة التي لا تحمل الكارت، وتخفيض حصة الكارت الذهبي من 1500 رغيف إلى 500 فقط، وكذلك إلغاء حصة حاملي البطاقات الورقية.

وبجرأة وغضب قطع المتظاهرون الطرق وحاصروا المسؤولين في مكاتبهم وتحدَّوا قوات الشرطة ومنعوا حركة القطارات والترام، لتكشف هذه الاحتجاجات عن عدة مستجدات مهمة على المشهد المصري:

الأول، أن السيسي خسر مصداقيته المتبقية لدى مؤيديه، فعلى الرغم من تعهده في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعدم المساس برغيف الخبز نهائياً، وقوله "أرجو أن كلامي وصدقي يصل لكل الناس، رغيف الخبز لم يمس ولن يمس"، ولكن لم يمر وقت طويل حتى صدر قرار تخفيض دعم الخبز!

الثاني، أن السيسي تآكلت شعبيته وفقد هيبته بين أنصاره بعد أن فقد مصداقيته، فانتشرت الاحتجاجات الشعبية العفوية غير المسيسة في رقعة جغرافية واسعة غطت محافظات كبيرة، من الجيزة إلى الإسكندرية وكفر الشيخ والغربية في الوجه البحري شمالاً، والمنيا وأسيوط والفيوم في الصعيد جنوباً، والوادي الجديد غرباً، باعتراف وزير التموين، وهتف آلاف المصريين ضده شخصياً بهتافات جريئة من قبيل "يسقط السيسي، يا سيسي يا ظالم، مش عاوزينه رئيس"، معظمها من نساء وعواجيز كانوا ركيزة شعبية مؤيدة له بعد الانقلاب ومن دون خوف من قوات الشرطة المدججة بالسلاح.

الثالث، رعب النظام من غضبة الجماهير التي تباهى بصبرها على قراراته الاقتصادية الصعبة، فخرج الوزير آسفاً ومرتبكاً، وإن تظاهر بغير ذلك، ومتودداً للصحافيين يخاف تصريحاتهم، فيخاطب أحدهم بقوله "بعد إذن حضرتك سيادة الصحافي العظيم"، ثم تراجع بسرعة عن القرار، بل وزاد من عدد الكروت الذهبية وكذلك رفع حدودها القصوى من حصص الخبز واعترف بحق أصحاب البطاقات الورقية في الخبز، وتعهد بعدم المساس بحق السيد المواطن!

الرابع، وضح انبطاح النظام لمطالب صندوق النقد الدولي وتخليه عن ضمان لقمة عيش المصريين، أبرز مطالب ثورة 25 يناير، على الرغم من تهديدها لشعبيته، فحدد حصة المواطن بخمسة أرغفة، وقبلها خفض وزن الرغيف بنسبة 30%، من 130 إلى 90 غراماً بمجرد استلامه الحكم منتصف 2014، ثم استحدث نقاط الخبز ليغري المواطن بالتنازل عن رغيفين من حصته مقابل 10 قروش لكل رغيف، ليحرمه منها أخيراً بحجة أنها تفيض عن حاجته، لكن يبدو أن ردة الفعل الشعبية الغاضبة سوف تُصعب على النظام الاستمرار في سياسة تخفيض الدعم وتنفيذ باقي مطالب الصندوق.

الخامس، أن القرار استدعى لذاكرة المصريين وزير التموين في عهد الرئيس مرسي، الدكتور باسم عودة، ونجاحه في توفير رغيف العيش، وكشف أيضاً عن أداء الوزير الحالي وقد وضع النظام كله، على الرغم من ادعائه الحكمة السياسية، في بوادر ثورة حقيقية ومواجهة شعبية خرج السيسي منها وهو الخاسر الأكبر.