دروس التدخل العسكري: تعميق الأزمات لا حلّها

دروس التدخل العسكري: تعميق الأزمات لا حلّها

23 فبراير 2015
ساهم التدخل العسكري في تعقيد أزمات ليبيا(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

 تتجدد الدعوات للتدخل العسكري في البلدان العربية. وقد تركزت في الآونة الأخيرة في ليبيا بعد الجريمة الوحشية التي ارتكبها تنظيم "داعش" بحق المختطفين المصريين، وقيام النظام المصري بتنفيذ "ضربة ثأرية" مباشرة، بانتظار توافق دولي بغطاء الأمم المتحدة، لتوسيع نطاق العمليات. كذلك برزت دعوات تطالب بتدخل في اليمن، الذي نفذت فيه جماعة أنصار الله (الحوثيين) انقلاباً.

الدعوات لاعتماد هذا الخيار، بغض النظر عما إذا كان سيتم السير به أم لا، وبغض النظر أيضاً عن الفارق بين تنظيم "داعش" والحوثيين، يأتي ليثبت أن أصحاب هذه الدعوات فشلوا في الاستفادة من دروس التدخل العسكري في البلدان العربية، وما أثبتته من محدودية تأثيره أخيراً في سورية والعراق من جهة، مثلما فشلوا في التعلم من تجارب السنوات الماضية ونتائجها من جهة ثانية، بدءاً من احتلال العراق في 2003، مروراً بالتدخل الخارجي في أعقاب الثورات العربية.

نظرة على مسار الأحداث في البلدان العربية، خلال السنوات الماضية، كفيلة بالتأكيد أن التدخل الذي يروج لتوسيع نطاقه اليوم، لم يسهم سوى في تعميق أزمات البلدان، لا التمهيد لحلّها، بعدما أصبح أي حل في حاجة إلى توافقات وتسويات دولية، تبدو مستحيلة في ظل تضارب المصالح وتشعبها. وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول الاندفاعة، وتحديداً لدى بعض الدول والأطراف العربية، لتكرار نفس السيناريو، مقابل تجاهل البحث عن خيارات أخرى، وخصوصاً في ليبيا، وما عايشته خلال السنوات الماضية.

اقرأ أيضاً: رفض جزائري للتدخل في ليبيا فرمل اندفاعة مصر

الترويج للتدخل العسكري خبرته ليبيا بعد انطلاق ثورة 17 فبراير على معمر القذافي. ساهمت الدول الغربية، التي شاركت في القصف في تسهيل الإطاحة بالديكتاتور الليبي، ونفضت أيديها بعد ذلك من كل ما ترتب من تداعيات على البلاد في ظل الانقسامات الداخلية التي غذّت المشهد، وأفشلت العملية السياسية لصالح معارك عسكرية لا تزال مستمرة إلى اليوم.

ولم تعد البلدان نفسها، التي روجت للتدخل العسكري قبل سنوات، إلى بحث هذا الخيار إلا عندما أصبحت الأزمة بتشعباتها تهدد بشكل مباشر أمنها القومي، في ظل استغلال الجماعات المتشددة لحالة الفوضى لتتمدد.

من هذا المنطلق، يحاجج أصحاب الرأي المؤيد للتدخل أنه ضرورة، ولا يتوفر أي بديل له. من وجهة نظرهم، فإن تمدد المسلحين المتطرفين لا يسهم سوى في انهيار ما تبقى من الدولة الليببة بعد أن تحولت إلى دولة فاشلة لا توجد فيها أي مؤسسات شرعية متفق حولها أو قادرة على ممارسة ولو أبسط مهام الدولة، فضلاً عن افتقار جميع القوى العسكرية إلى القدرة على الحسم عسكرياً في مواجهة الأطراف المسلحة الأخرى.

لكن هذا الواقع بالتحديد وتعقيدات المشهد الليبي، يجعل أي تدخل عسكري في البلاد بمثابة مغامرة غير محسوبة، خصوصاً أن الدول المندفعة نحوه لا تملك أي تصور للبلاد في المرحلة المقبلة. كما يفرض أسئلة ضرورية تتخطى مسألة من سيتولى تمويل العمليات العسكرية، في ظل الأزمة المالية العالمية المستمرة من جهة، وغرق معظم الدول الغربية في تمويل حروب خارجية أخرى، وعدم قدرتها على تحمل أعباء مالية إضافية.

ويتعلق السؤال الأكثر إلحاحاً بمن ستستهدفه الضربات العسكرية: هل سيقتصر الأمر على مهاجمة معسكرات وعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" وباقي الجماعات المتشددة، أم ستوسع الدائرة لتشمل أطرافاً عسكرية أخرى، وتحديداً قوات فجر ليبيا، ليكون التدخل الخارجي تمهيداً أمام تقدم عملية الكرامة، بقيادة اللواء خليفة حفتر، وحسم السيطرة لصالحها؟

كذلك لا يمكن تجاهل مسألة مدى فعالية الضربات في بلد مثل ليبيا، بحكم طبيعته الجغرافية المعقدة، وبدء الجماعات في اتخاذ احتياطات للتكيف مع أي تطور عسكري. وهو ما يحيل أيضاً إلى تساؤل إضافي حول نطاق التدخل، وهل سيكون جوياً فقط، أم أن الأصوات نفسها ستعلو قريباً للحديث عن ضرورة التدخل البري وحتميته؟

اقرأ أيضاً: شدّ الحبال الليبي: الخيار السلمي ينتصر على العسكري

وإن كان المشهد على تعقيده في ليبيا يبرر التدخل العسكري بالنسبة للبعض، فإن الوضع في اليمن يبدو مغايراً، ويجعل أي دعوة إلى التدخل العسكري أقل ما يقال عنها إنها غير واقعية، ولا تنطلق من إدراك حقيقي لما يجري في اليمن وما تتطلبه البلاد للخروج من أزمتها، خصوصاً أن التدخل الذي ينادي به البعض ليس ضد تنظيم القاعدة وجماعة أنصار الشريعة التابعة له، بل ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين).

لا شك أن انقلاب الجماعة يعزز من المخاطر التي تواجه الدولة اليمنية، ويجعلها أقرب إلى دولة فاشلة أيضاً. لكن الدعوات التي خرجت تنادي باستخدام الفصل السابع وإقرار تدخل عسكري في اليمن، تتجاهل خطورة مثل هذه الخطوة، في الوقت الذي يعاني فيه البلد من تنام غير مسبوق في النعرات المذهبية، ووحدته أصبحت في مهب الريح. كذلك يتم التغاضي عن أن كسر جماعة الحوثيين عسكرياً، ليس بالمسألة السهلة. الجماعة في الأصل خاض نظام علي عبدالله صالح 6 حروب ضدها، شاركت في آخرها السعودية، واستخدمت فيها سلاح الجو. لكن جميع الحروب لم تفلح في تحجيمها، بل على العكس من ذلك نمت، مستفيدة من الحروب، ومكتسبة خبرات عسكرية.

كما أن إقصاء الجماعة سياسياً بشكل نهائي أمر مستحيل، فضلاً عن أنه غير مطلوب. وهو ما يتطلب البحث عن خيارات غير عسكرية تجبر الجميع، وأولهم الحوثيون، على إعادة تفعيل العملية السياسية لا إلغاءها. وما نجاح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في الإفلات من حصار الحوثيين وقلب الطاولة عليهم، يوم السبت الماضي، سوى دليل على أن الخيارات السلمية متوفرة.

اقرأ أيضاً: اليمن: سيناريوهات ما بعد عودة هادي إلى عدن

دلالات

المساهمون