درع هانيبعل لم يضع

درع هانيبعل لم يضع

13 اغسطس 2020
هانيبعل في جدارية بأحد قصور روما (Getty)
+ الخط -

في 2016، جرى إظهار استعارة أشهر تماثيل هانيبعل من إيطاليا كحدث ثقافي بارز في تونس، ربما لم تفسده إلا ملاحظة ضيف الشرف، المؤرّخ الإيطالي جيوفاني بريتسي، وهو كاتب سيرة هانيبعل، حين لاحظ الفارق الشاسع بين تضخّم استدعاء هانيبعل على مستوى الكلام والفعاليات الرسمية، مقابل شبه غيابه في البحث والتنقيب التاريخيين في تونس، وأكثر من ذلك أحرج الحاضرين - ومنهم باحثون في التاريخ - حين سأل عن المكان الذي وُلد فيه القائد القرطاجي ولم يجد منهم إجابة. 

لا يبدو أن أحداً خرج بدروس من هذه الحادثة، بل لعلّ دلالاتها قد رُدمت سريعاً تحت يافطة أن "مؤرّخاً إيطالياً" لا يمكن أن يقدّم دروساً للتونسيين حول ابنهم هانيبعل. لكن ذلك النقد يمكن استرجاعه حين أثيرت نهاية الشهر الماضي قضية غياب درع يعتقد أنه يعود للقائد القرطاجي من مكانه في "متحف سلطقة" (مدينة في الساحل الشرقي لتونس)، بعد أن جرت إعارته منذ حوالي سبع سنوات، وهي قطعة ثمينة لأنها من أندر ما يتعلّق بهانيبعل في تونس فقد حاول الرومان طمس كل ما يشير إليه في شمال أفريقيا، حتى إن تشكيك البعض في أنه ليس درعه الخاص بل لأحد جنوده لا يقلّل من قيمته الأثرية.

في 29 تموز/ يوليو الماضي، نشر الناشط المدني سامي بن سلامة تدوينة حول إعارة وزارة الثقافة التونسية الدرع لأحد المتاحف الإسبانية، مضمّناً وثيقة تؤيّد ادعاءه وبياناً بأن القطعة لم تعد إلى مكانها في المتحف. سرعان ما تحوّلت تدوينة بن سلامة إلى تصفية حساب سياسي ودعوة أطراف حكومية كي تحاكم مسؤولين سابقين.

الصورة
درع هانيبعل - القسم الثقافي
(درع هانيبعل)

في ردّه على اتهامات بن سلامة، قدّم وزير الثقافة في الفترة التي أشارت إليها التدوينة، مهدي مبروك، مجموعة من التفاصيل الجديدة، حيث أشار في تصريحات إذاعية إلى أنه قد جرت استعادة الدرع من المتحف الإسباني، وتم عرضه في "متحف باردو" في تونس العاصمة إلى حدود آذار/ مارس 2015، تاريخ حدوث عملية إرهابية في المتحف، تم على إثرها إيداع الدرع في خزينة المتحف لتأمينه، ثم  في أيلول/ سبتمبر 2019 طُلب الدرع مجدداً في إطار برامج التعاون الثقافي فاتجه إلى روما للمشاركة في المعرض الأثري "قرطاج: الأسطورة الخالدة" الذي كان من المفترض أن يدوم سنة، أي حتى الشهر المقبل، علماً أنه قد توقف بسبب إجراءات الحجر الصحّي بدءاً من آذار/ مارس الماضي، وبالتالي فالقطعة لم تضع بل ستعود بنهاية المعرض.

سرعان ما تحوّلت تدوينة تشير لغياب القطعة إلى تصفية حساب سياسي

هكذا وبحسب هذه الرواية، تبدو قضية "درع هانيبعل" زوبعة في فنجان هدفها تصفية حسابات سياسية أكثر من بحثها عن القيمة الرمزية للآثار. لكن هل يعني ذلك الاطمئنان على مصير القطعة الأثرية وأن كل شيء على ما يرام؟ 

على العكس، فأن تكون الآثار ورقة في ألاعيب السياسة لا يبشّر بخير، وقبل ذلك لنا أن ننظر في حال الآثار القرطاجية في تونس؛ أي عناية وأي تثمين تحظى بهما، وها إن درع هانيبال ينتقل بين متاحف العالم وقلما ينتبه إليه التونسيون بل لم يسمعوا به إلا صدفة ضمن ضجّة صيفية. ألم يكن جيوفاني بريتسي على حق حين حزّ في نفسه أن يكون هانيبعل مهملاً في مسقط رأسه؟

دلالات

المساهمون