21 يوليو 2015
داعش.. تـُطَيـّرُ الرسائل غرباً

رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
في غمرة أجواء كأس العالم، سرى ليلاً تقرير سري، نُسب إلى الخارجية الأميركية، ينقل معارك "الماغما" السنية في العراق، المسماة داعش، إلى قلب دول، منها المغرب والجزائر. فأن يكون للدولتين، خارج الشرعية طبعاً، مئات أو آلاف من الجهاديين، ضمن هذا التنظيم، حيث يتكاتف، من دون انصهار، التكفيريون والبعثيون وقوات العشائر، وما بقي من جيش صدام، فهذا لم يعد سراً، خصوصاً وأن النقاش جارٍ لتحديد سبل التعامل، مستقبلاً، مع هذه القوات، التي لم يجندها أحد، عدا من حملوها على فهمٍ مُتشدد للنصوص الشرعية.
أما أن ينام في العسل بيننا من يقدم الدعم، ليخدم المشروع الغامض للدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو القائم على عقيدة نبذ الديمقراطية، وتحريم العلمانية، وهدم كل أسس الدولة المدنية الحديثة، فهذا مما يؤرق فعلاً. في حال صدق التقرير الذي تناقلته منابر إعلامية عديدة، ويعتمده الأمن الجزائري، حالياً، للوقوف على مدى صدقية اتهاماته جزائريين، فتلك مصيبة فعلاً، وإن كان كاذباً، فالمصيبة أعظم.
إذن، نحن أمام احتمالين، أن الجهات وراء التقرير أميركية فعلاً، مما يعني أن هناك اتجاهاً نحو تدويل ما يقع في العراق وتضخيمه، مقدمة لعودة الجيش الأميركي إلى المنطقة العربية كلها. خصوصاً، وهي تشهد فشلاً دوليّاً لم يسبق له مثيل، أو أن تكون جهات داعشية، عراقية أو غير عراقية، تسعى إلى تبليغ رسائل معينة، تكشف عن ملامح مستقبلية لخارطة طريق جهادية دولية، مستثمرة الزخم القتالي والإعلامي، الذي راكمته في العراق والشام، والذي لا يضاهيه إلا ما حققته قاعدة بن لادن في "غزوة منهاتن".
لكن، هل تحرق القاعدة داعمي فروعها، وهي لم تسقط بعد نوري المالكي، ولا واجهت الحرس الثوري الإيراني المتربص بها، إن لم تكن حاملة الطائرات الأميركية. طبعاً لا يُتصور منها هذا الزلل الكبير، في ظل استراتيجيتها الدولية الجديدة، التي تكيفت مع الأساليب الرهيبة، التي توظفها الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب العالمي. استراتيجية قائمة على تعدد رؤوس الجسد الواحد، وتجدد نمو الرؤوس المقطوعة.
بالعودة إلى الأسماء المغربية الواردة في التقرير، وهي أسماء لها صيتها وشعبيتها، يتضح أن رسائل القاعدة موجهة بالذات، ومغربياً، إلى هذه الشريحة العريضة من المواطنين الملتفة، دعوياً، حول هؤلاء الفقهاء والعلماء.
من الوارد بقوة أن القاعدة تقول لنا، في الاتحاد المغاربي، ومعنا مصر، إن "دولة الإسلام في أفريقيا الشمالية" قادمة علينا، وربما يصبح لداعش دافش لدينا. إن الحالة الطائفية في العراق وسورية، والتماسّ السني الشيعي، والبنية العشائرية للدولة، وغيرها من العوامل، أوجدت دولاً وأنظمة في وضعية غاية في الهشاشة، بل لوحة سوريالية أبدعتها السياسة الأميركية التي حاربت، أول ما حاربت في العراق، وقتلت من ضمن من قتلت حمورابي، الذي كان يقلقها أكثر من صدام حسين، ثم التفتت إلى خيمة الدولة، التي لا تفهم لا في وبرها ولا في تشابك نسيجها، ولا في حِبالها وأوتادها، فأحرقتها وتركت الناس يتيهون على وجوه التطرف الكالحة. وحينما اكتشفت فداحة هذه الفوضى، لم تجد بين يديها إلا أن تستدرج، وتشغل غريمتها إيران، بكل طموحها الامبراطوري، وبكل ما تُبَيِّتُه للمنطقة كلها من سلاسل جَلْدِ الظهر، وسلاسل الالكترونات والنيوترونات.
لا أحد يجادل في أن الجزائر الرسمية هي الحاضنة الكارهة، والمحاربة، لهذا التنظيم، منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي منذ عودة ما سمي وقتها بالجزائريين الأفغان. لكن الخرق اتسع على الخارطة الجزائرية، ونمت للرؤوس رؤوس، في دول الساحل، وخصوصاً شمال مالي، حيث خاضت فرنسا حربها، من دون نتائج مريحة، إلا لأبنائها ومصالحها في المنطقة.
يعرف الجزائريون، قبل غيرهم، أن بناء اتحاد مغاربي قوي، على أسس جديدة، سياسية واقتصادية وأمنية، وبقوة عسكرية ضاربة، وبالترسانة المتاحة بأكملها، أمامه تحديات عديدة، وهذه الموجة التكفيرية تشكل تحدياً لبناء مثل هذا الاتحاد، وفي الوقت عينه، سبباً للإسراع فيه.
أي سيناريو متصور لـ"دافش" في المستقبل، يمكن أن يرسم أمامنا سناريوهات عدة، مثل أن تداهم القاعدة، بأرتالها الحالية، المنطقة الممتدة من خليج غانا إلى صحراء سيناء، حدود الدول الهشة، للإجهاز على أنظمتها، مما يجعل التفكير في الدرع المغاربية ضرورة قصوى، لا ترفا. كما أن أي انتصار لداعش، عظم أمره أو صغر، لا يعني إلا بدء مغامرة دافش الكبرى. حسابات كثيرة في الأفق، فهل تفكر الدول المغاربية في الأمن الاستراتيجي لشعوبها؟ أم ستتركهم لتقلبات المزاجين القاعدي والإيراني، لا عشنا إلى اليوم الذي نرى فيه شعوباً مغاربية تائهة على وجوهها، كما يحدث، اليوم، مع الأشقاء السوريين والعراقيين.
مقالات أخرى
19 يونيو 2015
12 يونيو 2015
06 يونيو 2015