داعش تخلط أوراق اللبنانيين..

كان قائد لواء فجر الإسلام، التابع لجبهة النصرة، والذي بايع داعش، أخيراً، أبو أحمد عماد جمعة، على رأس قوائم المطلوبين لمخابرات الجيش اللبناني، عندما دخل بلدة عرسال علناً، فاعتقلته وحدة من الجيش اللبناني، الأمر الذي دفع عناصر اللواء التابع لداعش إلى اقتحام البلدة والسيطرة على مراكز تابعة للدولة اللبنانية فيها، ثم هاجموا نقطة لقوى الأمن الداخلي اللبناني، فأسروا أفراداً منها، ليظهروا فيما بعد وهم يعلنون انشقاقهم عن الجيش اللبناني، في مقطع نشر على موقع يوتيوب، وبدأ التنظيم بالسيطرة على حواجز الجيش، وكاد أن يحتل كامل البلدة، ويفصلها عن محيطها. عندها بدأت وحدات من الجيش اللبناني بقصف محيط البلدة وإغلاقها على اللاجئين السوريين، ومنعهم من الخروج منها، وسرعان ما دخلت نيران حزب الله "حالش"، أرض المعركة، مساندةً الجيش اللبناني، واشتركت أعداد من شباب بلدة عرسال في الدفاع عن البلدة ضد التنظيم، لتأتي، لاحقاً، مساندة جويّة من الطيران السوري بقصفه مواقع تمركز" داعش" في المنطقة.
هذا التحالف اللحظي السريع لقوى متخاصمة تقليدياً في جبهة واحدة، بالإضافة إلى المبادرة الخاطفة التي نفذها الجيش اللبناني، من دون التوقف عند ضمان الغطاء السياسي لتحركه العسكري، والقفز فوق حسابات موازين القوى الطائفية المحلية والإقليمية، على غير عادته، وما توافق مع هذا الحدث من تصريحات لمرجعيات دينية وزعماء سياسيين وأباطرة حروب لبنانيين، فتح باب الأسئلة والتكهنات والقراءات على مصراعيه.
هل القرار الداخلي اللبناني بالمجمل، وعلى اختلاف تلويناته، محسوم سلفاً حيال هذا الموضوع، هل يمثل الواقع الراهن من لحمة وطنيةٍ لبنانية، ظهرت فجأة، حقيقة استراتيجية، أم تكتيكاً لحظياً وتوافقاً على هدف مرحلي؟ أم أنه يخفي خلفه صفقات وتسويات سياسية قادمة، لا سيما وأن استحقاقات وطنية لبنانية داخلية عديدة مجمّدة، تعيش مرحلة استعصاء طال أمدها، في مقدمتها كرسي الرئاسة الشاغر؟
في المقابل؛ هل يحتمل لبنان، بما يحمل من تجاذبات وخلافات واختلافات، هذه المناورة الحادة، في ظل تعطيل مؤسسته السياسية الأهم، المتمثلة بمجلسه النيابي، ومؤسسة أمنية ضعيفة غير قادرة على ضبط حدود بلدها وحمايتها، عدا عن الوضع الاقتصادي الداخلي المتدهور، والذي زادت من ثقله أعداد النازحين السوريين الكبيرة، مما يؤجّج من حالة الاحتقان الاجتماعي بشكل عام.
يأتي هذا الواقع اللبناني الراهن، شديد التعقيد، مع تصريح للنائب وليد جنبلاط، في غير سياقه المعهود منذ اندلاع الثورة السورية، خصوصاً فيما يتعلق بتدخل حزب الله الميداني في سورية، اعتبر فيه إن دخول داعش إلى لبنان غير مرتبط بتدخل حزب الله في سورية، وفي غزل سياسي، غاب عن تصريحاته طويلاً، قال إن "شباب حزب الله يستشهدون في سورية، وبطل مارون الرأس بسام طباجة استشهد في العراق".
وأضاف جنبلاط، في تصريحه بعد جولة في الشويفات، "نريد أن نرى ما الذي سيأتي من فكر (داعش) وممن يفجر نفسه في الكنائس، وهو خطر على لبنان كلها؟ نحن في حاجة إلى التعاون مع رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، ورئيس المجلس النيابي، نبيه بري، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله".
وكان جنبلاط قد زار نصر الله بمبادرة شخصية منه، في محاولة لتمرير مرشح اللقاء الديمقراطي، هنري حلو، لرئاسة الجمهورية، مما دفع الأخير إلى الدفاع عن موقف جنبلاط المفاجئ، باعتبار، وبحسب تصريح حلو، أن هذا الموقف هو تحديد للأولويات الوطنية في تحصين الوضع الداخلي اللبناني. وأعرب عضو كتلة المستقبل النائب، خالد الضاهر، في تعليقه على تصريح جنبلاط، عن عميق أسفه لصدور هذا الموقف، عمن اغتيل والده على يد النظام السوري، في أكبر عملية إرهابية عرفها لبنان في عام 1977، ثم استدرك: كلام جنبلاط يندرج في سياق المجاملات السياسية، التي من شأنها تفادي إعادة تصويب المسدس إلى رأسه.
ما يعرفه كثيرون، وتتجاهله وسائل الإعلام، أن اللبنانيين من أهالي بلدة عرسال، ومع سيطرة الجيش اللبناني على البلدة، يرفضون دخول حزب الله إليها، خوفاً من ردات فعل طائفية ممكنة الحدوث، يشاركهم في هذه الرغبة وتلك المخاوف اللاجئون السوريون في عرسال، والذين أكدوا، مراراً، أنهم مع خروج داعش من البلدة فوراً، ومع دخول الجيش اللبناني.
تستمر المعركة ويرتقي الشهداء، ويتيتم الأطفال وتثكل الأمهات، بينما تتوارد آراء ومواقف وتصريحات مسؤولين وسياسيين لبنانيين عديدين، على اختلافها وتعدد أشكالها وألوانها، في صيغة لبنانية خاصة، تتمثل في منطلقاتها الطائفية، لتصب في مستقرها الوطني اللبناني، جامعة بين مفردتين في مصطلح واحد، لا تصحّ قراءته إلا في لبنان، الطائفية /الوطنية اللبنانية.