دار العنابي.. هنا يسكن تاريخ سيدي بوسعيد

دار العنابي.. هنا يسكن تاريخ سيدي بوسعيد

04 مايو 2015
دار العنابي في سيدي بوسعيد (العربي الجديد)
+ الخط -
في سيدي بوسعيد التونسية تتشابه المنازل، فمعظمها بيضاء ذات أبواب مزيّنة بنقوش يغلب عليها اللون الأزرق، لكن دار العنابي قادرة أن تجذبك من بين كلّ البيوت، إستحقت معه أن تكون متحفاً للتراث البوسعيدي والتونسي.

تصل الدار فتجدها شامخة في هدوء، رغم ضجيج السياح وباعة الصناعات التقليدية المحيطين بها. تلفت انتباهك ساحة أو بهو على الطراز الأندلسي، تتفرّع منها ممرّات، ولكلّ ممرّ قصّة تجذبك إليها. في هذه الساحة، مقاعد مزيّنة بحجر الموزاييك، ونافورة ماء وأشجار ياسمين وحنّة ونباتات أخرى، كلّ هذا يبعث سكينة تفرض عليك الجلوس لشرب الشاي التونسي وإمتاع العين والقلب.

هي لحظات ويوقظك نسيم الأشجار، فتلقي النظر إلى الممرّات محاولاً اختيار وجهتك.
قد يشدّ انتباهك درج خارجي، يقود إلى جناح كانت عائلة العنابي تخصّصه للضيوف، مكوّن من حديقة وغرف نوم وكل لوازم الراحة، هي هكذا العائلة التونسية عبر التاريخ تحب الضيف وتحسن استقباله.

وفي دار مفتي تونس، تخصّص قاعة للصلاة، وتُعتمد أيضاً لقراءة القرآن والأدعية والروحانيات، وهي خاصية في مدينة منسوبة للولي الصالح "أبو سعيد الباجي"، المدفون بها، والذي اعتاد أبناء المدينة حضور "خرجته" البهيجة.

تتعدّد الأبواب في دار العنابي، والجامع بينها ضخامتها وزخرفتها ومساميرها السود، التي تحدّد إطار الزخرفات. تُفشي هذه الأبواب مكوّنات المنزل الفريدة، فهذه جلسة صيفية رائقة، وهناك قاعة استقبال فسيحة، جدرانها أشبه بمعرض فني، وتلك غرفة أخرى يعود أثاثها للقرن 19.

تكتشف في الدار جناحاً خاصاً يحتوي تماثيل من الشمع تُجسّد مشاهد من الحياة اليومية للتونسي، أصيل سيدي بوسعيد، في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، والتي اندثر بعضها مع مرور الزمن.

وفي دار العنابي أيضاً مكتبة ضخمة تحتوي مخطوطات وكتباً ووثائق نادرة تتوه وأنت تحاول اكتشافها. هكذا إذاً ملهمةٌ هي هذه الدار، كما كانت سيدي بوسعيد ملهمة لأجيال من الكتّاب والفنانين.

كان يمكن لدار العنابي، الشاهدة اليوم على تراث تونسي عريق، أن تلاقي مصير غيرها من المنازل التي هدمت أو أهملت، لكن الطيب العنابي، ابن المفتي محمد العنابي، والنائب السابق بالبرلمان التونسي، أعاد تهيئتها خلال القرن العشرين، وحافظت هكذا عائلة العنابي على إرث العائلة، الذي صار تدريجياً يمثّل إرث سيدي بوسعيد، وجزءاً من التراث التونسي الأصيل.

وسيدي بوسعيد ضاحية سياحية في شمال شرق تونس العاصمة، تقع في أعلى منحدر صخري، يطلّ على قرطاج وخليج تونس، وتعتبر من أبرز المناطق السياحية في تونس.
يسرقك الوقت في تلك الدار، وتشعر أنها دارك أو دار جدّك، وترى ماضي تونس في جميع التفاصيل، حتى في الأواني الفخارية أو البلورية أو ربما الفسيفساء التي تزيّن الأرض والجدران، أو بعض اللوحات النادرة، الأكيد أن فراقها صعب والسلوى في تجديد اللقاء.

دلالات

المساهمون