داريا التي عرّت الجميع

داريا التي عرّت الجميع

27 اغسطس 2016
داريا كانت نموذجاً للثورة السورية ضد نظام الاستبداد(محمد كركاس/الأناضول)
+ الخط -
لا يمكن للّغة أن تتسع لقصة مدينة داريا "أيقونة الثورة السورية"، أو أن تعبّر عن حجم المأساة التي عاشتها المدينة، أو تصف الصمود الأسطوري الذي أظهرته، والمثالية التي تعاطت من خلالها كمدينة ثائرة ضد الظلم والاستبداد. ولا يمكن لبشري أن يستوعب حجم الجريمة التي ارتكبتها الإنسانية بحقها والخذلان الذي تعرضت له من قبل المجتمع الدولي حتى وهي تودع آخر أبنائها نحو مهجرهم القسري.

في جريمة داريا، تصبح العشرة آلاف برميل متفجر التي أسقطها النظام الأسدي على المدينة ودمرت أكثر من تسعين بالمائة منها، تفصيلاً صغيراً في قصة المدينة التي تآمر عليها العالم لينهي قصة صمود أسطوري في وجه الظلم، بقوة الإرادة الدولية التي شاءت أن تنهي المدينة، وتهجر سكانها الثلاثمائة وخمسين ألفاً حتى آخر طفل فيهم. مدينة داريا التي أرادت أن تكون نموذجاً للثورة السورية، خرجت عن بكرة أبيها بتظاهرات سلمية تطالب بالحرية والكرامة. وحين أرسل النظام الأسدي عناصره لقمع تلك التظاهرات قابلته بالورود، لتقول له إنها ماضية في تظاهراتها السلمية حتى تحقيق مطالبها المحقة. وحتى حين واجه النظام الورود بالرصاص، استمرت بسلميتها. فقامت قوات النظام من خلال جيش من الشبيحة، بقيادة ماهر الأسد، بارتكاب أفظع مجزرة بحق المدينة، وقتلت خلالها ما يزيد عن ألف مدني قضى معظمهم ذبحاً بالسكاكين، وسط صمت دولي أعطى الضوء الأخضر للنظام بفرض حصار على المدينة التي شكلت فصائل عسكرية من الجيش الحر للدفاع عنها.

ولم تحرك أربع سنوات من الحصار ضمير أية جهة دولية للتحرك أو اتخاذ موقف إنساني على الأقل مما خططت له إيران وروسيا ونفذه النظام في هذه المدنية ووضعها أمام أحد خيارين: إما موت جميع سكانها قتلاً وجوعاً، وإما تهجيرهم بشكل قسري وتسليمها للنظام. وحتى هدنة وقف الأعمال العدائية التي فرضها الأميركيون والروس في سورية استثنت داريا التي كان نصيبها من البراميل والصواريخ بعد الهدنة أضعاف ما كان قبلها.

خُذلت داريا من كل دول العالم التي وقفت بين مشارك بالجريمة وساكت عنها، وحتى الأمم المتحدة تواطأت مع المجرمين وتنصلت من مسؤوليتها تجاه آخر من تم تهجيرهم.