دائرة الخيارات تضيق أمام السيسي

دائرة الخيارات تضيق أمام السيسي

19 يونيو 2015
يعاني السيسي شعبياً ودولياً (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تزداد الضغوط على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد قرارات الإعدام الصادرة في حقّ الرئيس المعزول محمد مرسي وأنصاره". وعلى الرغم من قرار الإفراج عن 165 سجيناً، إلى أن "السيسي أدرك، ولو متأخراً، أن الخيارات لم تعد كثيرة، ودائرة الاختيارات تضيق عليه أكثر فأكثر، لذا فهو يستعد للاحتمال الأقرب للقبول به مرغماً، قبل أن يفقده أيضاً"، وفقاً لما أفاد به نائب رئيس سابق لأحد مراكز الدراسات السياسية شبه الرسمية في مصر.

ويشير الباحث الذي رفض الكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "حتى ولو لم يتدخل السيسي بشكل مباشر في استصدار الأحكام في حق مرسي، وعدد كبير من أهم قيادات الصف الأول في جماعة الإخوان المسلمين، فإنه يبدو راضياً، بل سعيداً حتى بهذه الأحكام، التي يدرك أنها ربما تمثل في تصوّره، ورقة الضغط الأهم، في حال حانت لحظة قبوله مكرهاً المصالحة السياسية في مصر، مع كافة الخصوم الأعداء، وعلى رأسهم الجماعة".

ويلخّص الموقف بالتالي "لم تعد هناك خيارات، فإما القبول بالمصالحة وإنجازها، وإما سنشهد تحولاً دراماتيكياً، يفضي في نهايته إلى الإكراه على ما هو أصعب، وهو الرحيل، خصوصاً أن المشهد حول السيسي بدا متغيراً خلال الفترة الماضية، فقد طرأت تحولات واضحة على مواقف معظم حلفائه في الداخل".

ويختم الباحث، تعليقه "حملت الأيام القليلة الماضية أحداثاً، كانت تُخفي خلفها رسائل واضحة للسيسي ونظامه، مفادها إما المصالحة وإما الإطاحة، وفق معادلات إقليمية لا تتحمّل انفجاراً جديداً في منطقة الشرق الأوسط".
وفي سياق الضغوط، يبدو ملحوظاً، تغيّر لهجة الغرب والولايات المتحدة تجاه السيسي، بعد إعلان البيت الأبيض على لسان متحدثه الرسمي، جوش إرنست، عن خيبة بلاده بعد الحكم الصادر ضد مرسي أخيراً. واعتبر أن "الحكم على مرسي بالإعدام مسيّس"، في انتقاد حادّ لحليفتها العسكرية. وأضاف إرنست "نشعر بالقلق العميق من الأحكام المسيّسة، التي أصدرتها محكمة مصرية في حق الرئيس السابق مرسي وعدد آخر".
اتخذت بريطانيا الموقف نفسه، بعد إعرابها عن "قلقها العميق"، من الأحكام في بيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية، وذكر البيان بأن الوزارة على علم بإحالة تلك الأحكام إلى محكمة النقض. مضيفاً أن "بريطانيا تدعم الاستقرار في مصر، كما تدعم أسس الديمقراطية وسيادة القانون، وتتابع عن كثب مراحل العملية القانونية".

اقرأ أيضاً: مبادرة لأبو الفتوح تقوم على حكومة انتقالية وانتخابات مبكرة 

ولم يخرج الموقف التركي من السياق أيضاً، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو "إننا ننتظر رد فعل الدول الغربية تجاه ما يجري في مصر"، مشدداً على "أنه وقت الامتحان، بالنسبة للدول الغربية، وسنرى ماذا سيكون رد فعلها، حيال سير أحد أهم رموز حركة سياسية لم تلجأ للعنف أبداً، على درب الإعدام، كما أن المنادين بالديمقراطية والحريات في تركيا، هل سيرفعون صوتهم يا ترى؟ أمّا نحن فضميرنا حي وسجلنا مشرف".

ويُعدّ تغيّر لهجة الخطاب الغربي والأميركي بعد فترةٍ، حاولت فيها تلك الدول غضّ الطرف عن ممارسات السيسي وقمعه الحريات، وإطلاق يد الأجهزة الأمنية من جديد بشكلٍ يفوق ما كانت تقوم به أجهزة الرئيس المخلوع حسني مبارك. إلا أن استشعار تلك الدول أن السيسي ربما إذا استمر على النهج نفسه، سيقود المنطقة كلها إلى انفجار، بعد تنامي الغضب الشعبي الداخلي ضده، وآخرها في تظاهرة عفوية في مترو الأنفاق، لم يُنظّمها أي حزب أو حركة معارضة، وتجاهلتها وسائل العلام المحلية.

والسيسي نفسه وهو الرجل الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الحربية لفترة طويلة، ويدرك جيداً انخفاض أسهمه داخلياً بقوة، بفعل فشل المحاولات الإعلامية في تجميله، بسبب الظروف المعيشية الصعبة للمواطن المصري والتزايد الجنوني للأسعار، وتردي الخدمات.

مع العلم أن السيسي أطلق وعوداً كثيرة بأنه "بعد العام الأول سيشعر المواطنون بحجم ما تمّ من إنجاز"، وهو ما دفعه إلى التدخل وتأجيل بدء العمل بما يعرف إعلامياً بمنظومة "الكروت الذكية" للحصول على الوقود؛ بدعوى أن بعضهم قد يستغلها بشكل سلبي في الوقت الراهن وتحديداً قبل حلول ذكرى 30 يونيو/حزيران الحالي.

في المقابل، يرفض الرئيس المصري إجراء أي مصالحة مع الجماعة تحت أي ظرف، إلا أنه في الوقت ذاته يدرك عدم قدرته على مواصلة الرفض أمام تراجع كافة حلفائه عن مواقفهم الداعمة. وهو ما يفسر حملة التصعيد الأخيرة تجاه الجماعة وقياداتها في مصر.

اقرأ أيضاً: مطالبات بالإفراج عن 378 محامياً مصرياً بمناسبة رمضان

ويأتي هذا، في وقتٍ يؤكد فيه القيادي الإخواني البارز يحيى حامد، وزير الاستثمار في حكومة هشام قنديل السابقة، بأن "الاستخبارات العامة المصرية تواصلت مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل عقد مصالحة مع الدولة المصرية". وشدد في الوقت ذاته في تصريحات إعلامية على أن "هناك العديد من المسؤولين في الخليج، وبعض رموز السلطة في مصر الذين أيّدوا عبد الفتاح السيسي في 30 يونيو و3 يوليو، قد تواصلوا وجلسوا مع الجماعة من أجل عقد المصالحة مع الدولة".

من جهة أخرى، يقول القيادي في "التحالف الوطني لدعم الشرعية" والمتحدث باسم حزب "الأصالة"، حاتم أبو زيد، إن "النظام يتجه إلى التصعيد بشكل كبير، وكأنه في حالة حرب مع التيار الإسلامي، بل مع الدين ذاته، وهو ما يتضح من تصريحات كثيرة للسيسي".

ويضيف أبو زيد في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن "هدف النظام الحالي محدد وهو القضاء على الفكرة الإسلامية نفسها، ويأتي هذا بالتخلص من الأشخاص، ثم التخلص من الفكرة، فتجدهم، مثلاً، دائمي الهجوم على فكرة الخلافة، لأنها تمثل المنظومة السياسية الإسلامية".

ولم يستبعد إقدام النظام الحالي على تنفيذ عمليات القتل والإعدام "هذا غير مستبعد على الإطلاق، بل ضرورة بالنسبة له، لأن التخلص من مرسي يعني التخلّص من رمز الشرعية، الذي يعكر عليه حياته". ويوضح أن "بعض عناصر 30 يونيو يشجعون السيسي على التخلص من مرسي على وجه الخصوص، حتى إذا تخلصوا منه لا تكون منازعة لهم من جهة مطالبة مؤيديه بشرعية مرسي، فتنفيذ الإعدام رغبة الفرقاء ليسهل لهم الاستيلاء على السلطة".

وحول مسألة تسوية الأزمة سياسياً، يؤكد أبو زيد، عدم ظنه بوجود محاولات لذلك على المستوى المحلي والدولي على الأقل، ولو أن هناك رغبة في تسوية على المستوى الإقليمي، فهناك رغبة أن تتم من دون التيار الإسلامي. واعتبر أن ما يثار في بعض وسائل الإعلام عن تحركات ترغب في التسوية على أي من الأصعدة الإقليمية أو الدولية أو المحلية، فهي لا تعدو عن كونها عمليات استهلاك وقت وإجهاد واستطلاع مواقف، واستنزاف للهمم والعزائم، للوصول إلى مرحلة الإحباط مع طول الزمن، ومن ثم الاستسلام للأمر والواقع.

اتفق مع أبو زيد، الخبير السياسي، أمجد الجباس، الذي اعتبر أن "كل ممارسات النظام الحالي منذ مذبحة فض رابعة العدوية والنهضة، هي عبارة عن فرض شروط إذعان" للتيار الإسلامي، وليس الضغط لمحاولة تسوية الأزمة".

ويقول الجباس في حديث إلى "العربي الجديد"، إن "في حالة رغبة السيسي زيادة الضغط على التيار الإسلامي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، سيقدم على تنفيذ أحكام الإعدام في قيادات الجماعة". بيد أنه يستبعد بشكل كبير إقدام نظام السيسي على تنفيذ حكم الإعدام في حق مرسي.

في المقابل، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن "نظام الرئيس المصري الحالي، يسعى من خلال أحكام الإعدام والمؤبد في حق مرسي وقيادات الإخوان، إلى زيادة الضغط على جماعة الإخوان والتيار الإسلامي عموماً، لقبول المصالحة وتسوية الأزمة في أقرب وقت". ويضيف عز لـ "العربي الجديد"، أن "السيسي منذ بداية الأزمة يسعى إلى زيادة الضغط على التيار الإسلامي من خلال عمليات قتل أو اعتقالات واسعة للشباب، وهي جميعها رسائل وأوراق ضغط".

اقرأ أيضاً: السيسي أعدم الصادرات أيضاً