خيزران غزة يقاوم الاندثار عبر صناعة الأثاث التراثي

خيزران غزة يقاوم الاندثار عبر صناعة الأثاث التراثي

27 أكتوبر 2015
زكريا المظلوم يصنع كرسيا من الخيزران(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يتفقد السبعيني أبو رائد المظلوم مجموعة من الكراسي التي صُنعت من الخيزران الطبيعي، ويصففها بعناية في مصنع الأثاث الخاص به شرقي مدينة غزة، غير آبه بسوء الأحوال الاقتصادية التي تعصف بالقطاع المحاصر منذ عدة سنوات.
المظلوم بات على قناعة تامة، بأن الأوضاع الاقتصادية لا تستقر على حال واحدة، سواء أكان وضعاً سيئاً أم إيجابياً، زارعاً في نفسه ونفس أبنائه أملاً كبيراً في تخطي الأزمة، كما تخطى هو مجموعة أزمات مرت بقطاع غزة، منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي وحتى الآن.
عبق التاريخ والأصالة فاح من مصنع الخيزران القديم الذي يتوسط حي الدرج، حاملاً في ثناياه قطع أثاث منزلي ومستلزمات للكبار والصغار، صُنعت من الخيزران المستورد، لتشكل لوحات فنية، تعكس جمال التراث الفلسطيني المطرز على جنباتها.
"أنا زكريا المظلوم (أبو رائد) 70 سنة من قطاع غزة، بدأت العمل في صناعة الخيزران منذ عام 1964، عندما كنت أذهب برفقة والدي إلى المصنع الخاص به"، هكذا بدأ المظلوم حديثه عندما سألته "العربي الجديد" عن بداية الحكاية بينه وبين أعواد الخيزران.
ويضيف: "مشهد صناعة الخيزران والأشكال الجميلة التي تتم صناعتها شدني للغاية في بداية الأمر، وأصبحت مهتماً بتعلمه وإتقانه، وبالفعل تعلمت الفنون الخاصة بالعمل، حتى أصبحت قادراً على صناعة أي قطعة خشبية مصنوعة من الخيزران، بمختلف أحجامه وأشكاله".
إتقان المظلوم للمهنة دفع شقيقه الأكبر الذي يملك مصنعاً للخيزران في السعودية، إلى دعوته لإعطاء دورات وتعليم طلاب "المعهد الصناعي" هناك، لكن الأوضاع غير المستقرة في قطاع غزة آنذاك حالت بينه وبين خروجه، فقام بفتح محل خاص به، ما زال يعمل حتى اللحظة.
ويتابع المظلوم حديثه لـ"العربي الجديد" قائلاً: حرب 1967 واحتلال ما تبقى من فلسطين أثرا على عملنا، لكن العمل استعاد عافيته فيما بعد، وأصبحنا نعمل بشكل كبير ونصنع الكراسي التراثية القديمة والطاولات الكبيرة والصغيرة، وعلّاقات الملابس وعكاكيز الكبار، وأسِرة الأطفال، والكراسي الهزازة، ومختلف أشكال الأثاث التي يتم توريدها إلى مختلف المدن.


اقرأ أيضا: زيتون غزة يشكو وحشية إسرائيل وقسوة الطبيعة

ويوضح أنّ ما يميز الخيزران أنه طبيعي ولين وقوي، ويتم صناعته يدوياً، بدأ العمل به تقريباً عام 1930 في مدينة يافا، وانتشر في عدد من المدن الفلسطينية، وبدأ العمل يتطور منذ ذلك الوقت حتى حرب عام 1973 التي أثرت بشكل كبير على الصناعة وأدت إلى توقفها بسبب تدهور العملة الإسرائيلية وغلاء أسعار المواد الخام في حينه.
ويضيف: "رغم تلك الظروف، لم تستسلم الصناعة، وبدأت بمواجهة الظروف الصعبة، إلى أن استعادت عافيتها مجدداً، وساهم دخول السلطة الوطنية الفلسطينية قطاع غزة عام 1995، بعد اتفاقية أوسلو، إلى انتعاش سوق الخيزران، بسبب الإقبال الكبير عليه في ذلك الوقت".
مسلسل الهبوط والارتفاع لم يتوقف عند هذا الحد، بحسب المظلوم الذي يقول: "بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 تأثرت صناعة الخيزران، لكننا لم نتوقف عن العمل، كذلك أثرت حروب عام 2008 وعام 2012 وعام 2014 بشكل كارثي، أدى إلى تدهور الإقبال على شراء الخيزران إلى مستويات تكاد تكون صفرية".
الأمل الذي يكسو عزيمة المظلوم دفعه للقول إن الأوضاع الصعبة التي يمر بها قطاع غزة ستزول كما زالت الأوضاع الصعبة في العقود الماضية، مضيفاً: "نحن ملتصقون بهذه المهنة التي ورثناها عن آبائنا، ولن ندعها تندثر مثل اندثار صناعة السجاد الصوف المُحاك يدوياً، وصناعة الكراسي الخشبية الصغيرة، وبعض الصناعات التراثية".
ويوضح أن طرق الحصول على المواد الخام باتت صعبة للغاية، بعد إغلاق الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، مشيراً إلى أن أعواد الخيزران يتم استيرادها من سنغافورة جنوب شرق آسيا، لأن زراعتها تحتاج إلى درجات حرارة عالية ومستنقعات، وأصبحت الآن تمر عن طريق القاهرة حتى العريش ورفح وتدخل إلى غزة من العوجة، عن طريق الجانب الإسرائيلي، ما ساهم في زيادة أسعار المواد الخام، وبالتالي زيادة أسعار المواد المُصَنَعة.
ويكمل الحديث نجله "يحيى" الذي وصف لـ"العربي الجديد" طريقة صناعة كراسي الخيزران، قائلاً: "تتم صناعة هيكل الكرسي بداية من خيزران (الماليكان) الغليظ، ويتم تدعيمه فيما بعد بالخيزران (المطوي)، ومن ثم يتم حشوه بأعواد القش لتقوية المجسم وسد فراغاته".

اقرأ أيضا: "بلح" غزة بأسواق الضفة لأول مرة منذ 2007

المساهمون