خيبات الكتب

خيبات الكتب

23 نوفمبر 2014
+ الخط -
"لا يكتب إنسان كتاباً في يومه، إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". لربما تكررت هذه المقولة الكلاسيكية في الاستخدام العربي الحديث، خاصة في مجال تدبيج الكتب وإصدار البحوث العلمية، بما يوحي وكأنها تمكنت من انتزاع سلطة أخلاقية ورمزية في مشهد الكتابة العربية. لكنّ الواقع يقول إنها قليلة تلك الكتب التي تلتزم بهذه المقولة نصاً وروحاً، ويتأنّى مؤلفوها في الدفع بنصوصهم إلى المطابع قبل أن تنضج في موازين المراجعة وإعادة النظر.

سطور التحسين والتجويد في صوغ الكتابة والكتب، والتي كتبها القاضي العسقلاني في القرن السادس الهجري، والمنسوبة خطأ إلى عماد الدين الأصفهاني، صارت مقولة مشتهرة إلى درجة الكليشّيه المملة. بيد أن طاقتها التصويبية والتذكيرية تظل هائلة وعصية على النضوب. نحتاج إليها اليوم حاجة إضافية، لأنّ ثمة تردياً لا يُنكر في نوع ومضمون ما يُنشر من كتب، وتردياً منافساً له في الكم والعدد. على مكاتب الناشرين تتراكم مخطوطات يرى كاتبوها أنها استوفت شروط الكتابة والنشر، وبأن الحكم والدرر التي تحتوي عليها لا بد أن تصل إلى القراء! لحسن الحظ، كثير من تلك "المسلوقات" يرفض نشره الناشرون أنفسهم. مع ذلك يتسلل بعضٌ مما لا يستحق النشر إلى المطابع وينتهي إلى أرفف المكتبات ومعارض الكتب، ليزيد أرقاماً صماء لا تعني شيئاً عند وزنها بالقيمة والمضمون.

ما يقوله زملاء شاركوا في لجان تحكيم جوائز عربية مختصة بالكتب في المشهد العربي، يروون تجارب تختلط فيها الكوميديا السوداء مع السوريالية. كثير منهم ينخرط في عملية تعذيب متواصل لاضطرارهم إلى قراءة نصوص لا علاقة لها بالفن الكتابي، ومدفوعة بعوامل الطموح (أو الطمع) بالحصول على الجائزة المادية المعلنة. تتراكم أمام هذه الجوائز، وخاصة جوائز الروايات، مئات النصوص التي تثقل كاهل أي لجنة تحكيم، وكثير منها يظن ذاته النص الخارق لزمانه ومكانه.

تفترض "قوانين" العسقلاني الصارمة في الكتابة والنشر أن المؤلف نفسه هو الرقيب الأول والأشد يقظة والأكثر قسوة على النص. فالنص هو الوليد الذي سيحمل اسم ذلك المؤلف، وللأبد، وشرط ديمومته العافية والصحة والخلو من العلل والنواقص. وتفترض قوانين النشر في العصر الحالي أن الناشر هو الرقيب الثاني المهموم بعدم تمرير نص لا يتسم بالقوة والمتانة والبراءة من العيوب. وتفترض قوانين السوق في آخر المطاف أن القارئ هو الرقيب الأخير وصاحب الحكم النهائي في ترقية أو خفض هذا الكتاب أو ذاك.

لكن القارئ في مشهدنا العربي نادر الوجود وسوق الكتب والقراءة ليست بالرائجة والفوارة، ولهذا فإن حلقة الرقابة النهائية هذه ضعيفة إلى حد كبير. تبقى المسؤولية منوطة بالمؤلف والناشر. وربما يتحمل الناشر مسؤولية أكبر لأن كثيراً من الكتّاب يركضون بلا حساب نحو النشر بلا تؤدة ولا تأنٍّ.

الناشر هو "المروِّض" الذي يجب أن يروّض النص غير الناضج، ...، ويروّض أحياناً كاتبه المستعجل. إذا استعجل المؤلف، واستعجل معه الناشر، حصدنا نصوصاً خائبة، وليس كتباً ممتعة.

المساهمون