خمس شمعات

خمس شمعات

14 اغسطس 2018
مقطع من عمل لـ فوزي معاوية/ تونس
+ الخط -

كانت المفاجأة الأولى للاحتفال بعيد ميلادنا سوياً الذي يفصله سبعة أيام لا غير هو دعوتي إلى حضور "أوبرا عايدة" على المسرح الكبير معها هي وزوجها.

شاهدتها أكثر من مرّة في التلفاز، انبهرت بها وتمنيت أمنية غامرة أن أشاهدها على المسرح عن قرب، لأشاهد هذا القائد الهُمام راداميس وقد هام بالجارية الحبشية عايدة التي عشقته هي الأخرى. وصولاً إلى تنفيذ حكم الإعدام على راداميس داخل القبر الذي سيدفن فيه حياً فيما تتسلّل عايدة إلى الداخل، ويرتفع صوت الكهنة في صلواتهم في المعبد.

كان الروف مزيّناً بكل ألوان التيوليب؛ الحمراء، الصفراء، البنفسجية، القرمزية، الروز، البيضاء، تتخللها زهور البانسيه وكأننا في جنة اليارو التي طالما أخبرونا عنها أجدادنا الفراعنة.

كانت المفاجأة الأخرى هي دعوة هالة شلبي، وسلوى، ونور السويفي، وأصدقاء إيمي وصديقين لزوجها الأمريكي. كان حفلاً كبيراً نلتف فيه جميعاً حول تورتة بخمس شمعات، فضحكنا جميعاً: ولماذا خمس شمعات فقط يا إيمي؟ قالت بتباهٍ:

- لا شيء هذا عمري الآن؛ خمس سنوات لأبدأ الطريق من جديد يا أصدقائي. وما مرّ من أربعين عاماً لا يحتسب من عمري. الآن عندي خمس سنوات لا غير.

فضحكوا وانهمكوا في الطعام والشراب حتى اختارت إيمي أن نصدح بالنشيد الأممي "الإنترناشيونال"، تلك الأغنية التي تربينا عليها بالجامعة، والتي سمعتها للمرة الأولى في حفلة من حفلات الحزب في مدينة بني سويف في إحدى حفلات الشيخ إمام الذي كان يجوب بها جميع أنحاء مصر مع أغانٍ أخرى مثل "شيّد قصورك".

بينما كان رفقائي يصدحون بالأغنية، كنت أتخيّل زهرات التيوليب قد تحوّلن إلى ظهير أوبرالي راقص يتراشق بألوانه، وألمح تيوليبا بنفسجيا يتفتّح كالملاك على جذع التيوليب الرقيق كفراشة تنشق من اليرقة بوهج وجمال لتتحوّل إلى باليرينا تيوليبية بنفسجية تتراقص، وتتراقص وتدور بين الحنايا مع شقيقاتها الأخريات كالباليرينات في "أوبرا عايدة".

وأنا أردّد داخلي: أريد أن أكون جديدة، أريد أن أعود الطفلة كاستيلا... أريد أن أكون تيوليباً أحمر وعمري خمس سنوات. أنا تيوليب أحمر. أنا تيوليب أحمر، وعمري خمس سنوات، أنا تيوليب أحمر عمري خمس سنوات.


* مقطع من رواية "أشباح التيوليب" التي تصدر بعد أيام عن "روافد"

دلالات

المساهمون