ولم تكد هذه الأزمة السياسية تمر على الحكومة حتى ظهرت "حادثة" قوية ثانية، تمثلت في تصريحات أطلقها رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، انتقد فيها بشدة بعض قادة الأحزاب المشكلة للحكومة، خصوصاً التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي. تصريحات بنكيران كان كافية لإشعال "نار" تحت رماد الحكومة، إذ قابل زعماء الأحزاب المعنية بتصريحات بنكيران الموضوع بكثير من التبرم والضيق، ووصل الأمر إلى نوع من مقاطعة وزراء أحد الأحزاب الرئيسية في الحكومة لاجتماعات رئيس الحكومة، قبل أن يفند العثماني هذه "المقاطعة"، ويسارع إلى لأم الجرح الذي تسبب فيه لسان بنكيران. وبصعوبة بالغة طوق رئيس الحكومة في فبراير/شباط الماضي الأزمة التي كادت تعصف بانسجام الأغلبية، إذ قدم اعتذاره لزعماء الأحزاب المكونة للحكومة عما اعتبرته إساءة في حقها، وبين إصراره على "التمسك بحلفائه والاعتزاز بهم، والتنسيق معهم". ودفعت هذه الحادثة قادة الأحزاب الحكومية الستة بعد أيام قليلة إلى صياغة ميثاق "الأغلبية الحكومية"، باعتباره وثيقة حكومية تجمع المكونات الستة لتنفيذ برنامج محدد متفق عليه. واعتبر العثماني حينها أن "الميثاق يبلور رؤية مشتركة وموحدة لحسن سير العمل الحكومي، وتعزيز التضامن والتشاور بين مكونات الأغلبية".
الحادثة الثالثة لم تسلم منها حكومة العثماني، وتمثلت في حملة المقاطعة الشعبية ضد منتجات، لاسيما مادة الحليب ونوع من المياه الغازية، فضلاً عن محطات توزيع غاز مملوكة لأحد قادة الأغلبية الحكومية، وهي الحملة التي خلطت أوراق الحكومة، وظهرت مواقف متناقضة في طريقة معالجة هذا الملف. وتركت حملة المقاطعة غير المسبوقة في المغرب تداعيات سياسية قوية، لعل أبرزها طلب الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحوكمة، لحسن الداودي، المنتمي إلى "العدالة والتنمية"، إعفاءه من منصبه بسبب الضجة التي رافقت مشاركته في تظاهرة احتجاجية لعمال شركة الحليب أمام البرلمان. غير أنه يبدو أن طلب الإعفاء من الحكومة لم يحظ بقبول صناع القرار، إذ لا يزال الوزير يمارس مهامه. كما أفضت حملة المقاطعة أيضاً إلى تحرك حزب الأصالة والمعاصرة المعارض ضد الحكومة، من خلال تلويحه بالدفع بالتماس رقابة لإسقاط حكومة العثماني فسره الحزب بأنه ناجم عما سماه "تعامل الحكومة السيئ مع الحراكات الاجتماعية، ووجود وزراء يدافعون عن الشركات بدل المواطن". ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى حد تلويح "الأحرار" باتهام حزب العدالة والتنمية بأنه وراء حملة المقاطعة التي استهدفت شركة زعيم "الأحرار"، عزيز أخنوش، ودفعت هذا الأخير أخيراً إلى رفع التحدي ووعد بكشف الحقائق مستقبلاً، من دون أن ينسى إصراره على كسب حزبه رهان الانتخابات التشريعية في العام 2021 التي يطمح أن يتصدرها ويرأس الحكومة المقبلة بدل "العدالة والتنمية".
ولم تكد تهدأ نار حملة المقاطعة قليلاً حتى ظهرت حادثة رابعة أربكت سير الحكومة من جديد، تمثلت في مقترح العثماني حذف حقيبة "كتابة الدولة في الماء" (مساعدة وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء المكلفة بالماء)، التي تشغلها القيادية في حزب التقدم والاشتراكية شرفات أفيلال، من دون استشارة حليفه داخل الحكومة، الأمر الذي أثار امتعاض "التقدم والاشتراكية" الذي طالب العثماني بتوضيحات حول قرار إعفاء أفيلال دون الحصول على استشارة أو مشورة قبل أن يرفع مقترحه إلى الملك الذي وافق عليه. وبمجرد حذف الحقيبة الوزارية حتى تصاعدت حدة لهجة قيادات في حزب التقدم والاشتراكية ضد رئيس الحكومة، ومنهم من ذهب إلى حد المطالبة إما بخروج الحزب من الحكومة أو على الأقل تقليص حجم التحالف الاستراتيجي بين الحزبين إلى التحالف المرحلي في أدنى درجاته. وفيما لم يجد رئيس الحكومة مسوغات ليبرر بها قرار إلغاء تلك الحقيبة الوزارية أمام حزب التقدم والاشتراكية، باستثناء الحديث عن تضارب الاختصاصات بين الوزيرة المعنية ورئيسها الوزير عبد القادرة إعمارة القيادي في الحزب القائد للحكومة، حاول العثماني تطويق الأزمة الجديدة بعقد لقاءات مع قيادات "التقدم والاشتراكية"، تمكنت إلى حد ما من إطفاء نيران الغضب والتخفيف من التوتر الحاصل.
وتأتي "حادثة" خامسة تجري وقائعها هذه الأيام وسط البيت الحكومي، لتضع الأغلبية أمام منعطف سياسي صعب وحاسم. وتمثلت في تراشق الاتهامات بين قيادات حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، وهو ما بات يهدد الانسجام الحكومي رغم دعوات التهدئة من هنا وهناك من أجل صون لُحمة الحكومة قبل انتهاء ولايتها في 2021. وبعد أن اتهم وزير الرياضة والقيادي في "الأحرار"، رشيد الطالبي العلمي، حزب العدالة والتنمية بحمل مشروع تخريبي للبلاد، رد عليه القيادي في الحزب الحاكم، سليمان العمراني، داعياً حزبه إلى مغادرة الحكومة إن كان هذا تصوره عن الحزب الذي يقود الحكومة، قبل أن يرد قيادي آخر من "الأحرار" على هذا التراشق بقوله إن تواجد حزبه في الحكومة ليس صدقة من "العدالة والتنمية بل هو قرار سيادي، وفق تعبيره.