خلف الصورة

خلف الصورة

03 اغسطس 2019
من الحيوانات المهددة (لوكاس بارث/ الأناضول)
+ الخط -
جبال جليد في القطب الشمالي تضمحلّ وتذوب. دبب قطبية تستلقي على الثلوج وقرب المياه الجليدية. طيور ناصعة البياض تحلق أو تسبح رغم الصقيع، وحيوانات الفقمة تستمتع بأشعة الشمس، هو الهدوء في أبعد نقطة يطأها الإنسان في شمال الكرة الأرضية. هذا ما نقلته لنا عدسة المصور القطري علي سيف الدين، وشاهدناه في معرض له في الدوحة، ضم عشرات الصور التي تنقل واقع كائنات لا نشعر بوجودها إلا إذا لمحتها أعيننا أحياناً. سيف الدين هو الأول من بين مواطنيه الذي يصل إلى تلك النقطة في القطب الشمالي، وهو فخور بهذا الإنجاز. استغرقت رحلته 10 أيام، وصل إليها عبر النرويج ومن هناك انتقل مع مجموعة من المصورين المتخصصين بتصوير البيئة والحيوان، عبر سفينة خاصة معدة لتلك المهام. 11 ألف صورة كانت حصيلته خلال الأيام العشرة، 200 صورة منها رأى أنها تصلح، واكتفى ببعض العشرات منها.

لم أكتف برؤية جودة اللقطات وحرفية المصور وروعة المشاهد من الناحية الفنية، إذ إن ما شغلني بعد الدهشة الأولى التي جعلتني أتسمر أمام عدد منها، وأجد نفسي أعود إليها من جديد، هو ما خلف الصورة. وكان تحديداً مصير تلك الكائنات الرائعة والمذهلة مع تغير المناخ وارتفاع حرارة الكوكب وتداعيات ذلك على البيئة القطبية التي تهدد الحياة فيها.

أن ترى دباً قطبياً كبيراً يستلقي على ظهره ويلهو ممسكاً بقدميه بكل وداعة، وعيون الفقمة ونظراتها الهادئة المحببة التي تحرك فيك مشاعر الرأفة والقلق عليها، والطيور التي تجد طعامها اليوم لكنها لا تدري إن كان سيتوفر غداً، كل ذلك يبعث على الخوف. فالصورة لم تكن أبداً لحظة أو ضربة حظ للمصور، إنها حكاية مكان قصي على الأرض تتغير طبيعته ومعالمه وحياة الكائنات فيه بسبب جشع البشر واستهتارهم واستمرارهم بتدمير البيئة من حولهم وتركيزهم على حاضرهم كأنه سيدوم أبداً.

توقعت دراسة أصدرها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة عام 2015، تناقص أعداد الدب القطبي بنسبة تتجاوز 30 في المائة في منتصف القرن الحالي بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينتج عنها من ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي، إضافة إلى عمليات التنقيب عن النفط والغاز.

وينطبق ذلك على الحيوانات القطبية الأخرى، ويعتقد العلماء أن تلك الحيوانات باتت تعاني من ندرة في فرائسها الطبيعية، بسبب تغير المناخ وذوبان الجليد، الأمر الذي يخل بالسلسلة الغذائية الطبيعية، ما يسرع في تناقص أعدادها ويهددها لاحقاً بالانقراض.




قد يرى بعضنا أن الطبيعة تصطفي الأقوى، فيستمر على عكس الأضعف، وهذا كان حال الديناصورات وغيرها من الحيوانات التي انقرضت منذ العصور السحيقة. لكن المفجع في الأمر أننا نحن البشر لا نترك للطبيعة وحدها أمر البقاء أو الفناء، بل نتدخل بأساليب وابتكارات شريرة لا ترحم وتسبب فناء الكائنات جراء التلوث ودمار البيئة.

جريمة جماعية ترتكب بحق الأرض التي تؤوينا، والخوف كل الخوف أن تصبح صور المعرض يوماً مجرد ذكرى لكائنات منقرضة كانت تستحق الحياة.

المساهمون