خلط الأوراق أوتوماتيكياً

خلط الأوراق أوتوماتيكياً

23 فبراير 2015
+ الخط -

يمُوج العالم العربي، في أكثر من بقعة منه، بصراعات مسلحة وفوضى تتفاقم في خطورتها، وعلى امتداد خارطته التي يُراد لها أن تتشكل من جديد. ولعل أبرز الأدوات المستخدمة هي المليشيات المسلحة، المُتوشحة بالرداء الديني أو المناطقي، أو التنظيمات ذات الأيديولوجيا الدينية المتطرفة، والتي لكل منها مُمول، يتوارى عن المشهد، لكنه يرسم لها ملامح الطريق الذي ينبغي عليها أن تسلكه، فبالضرورة الحروب لا تُخاض لذاتها، وكذلك العمليات الإرهابيّة، بل لأهداف سياسية، تُنجز في نهاية المطاف، فهي، بعبارة أدقّ، استثمار قذر في الدم، وذلك هو الوجه القبيح لواقع السياسة. فالأنظمة المستبدّة بعقليتها الظلامية وغريزتها الإجرامية، أكثر من يُجيد استخدام الإرهاب، ولعل الذاكرة العربية تحمل شيئاً من ذلك، حينما كانت التنظيمات اليسارية في أوج حضورها القوي في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، والتي كانت تحمل شعارات الدفاع عن القضية الفلسطينية، ومواجهة الاحتلال الصهيوني عبر العمل المسلح، إذ تحول بعضها إلى بندقية للإيجار كما وُصف (أبو نضال) الذي انشق عن حركة فتح، ليكون قاتلاً مأجوراً لأنظمة عربية، كالسوري والليبي والعراقي، بعيداً عن قضية أو مبدأ، لتنتهي حياته على يد المخابرات العراقية. وكذلك كان الأمر مع كارلوس، الفنزويلي الذي جاء ليناصر القضيّة الفلسطينيّة، لتقوده شهوة المال بعد اختطاف وزراء أوبك في فيينا، عام 1975، بإيعاز من القذافي، لكي يقتل وزراء نفط دول كان يراها مسؤولة عن انخفاض سعر النفط.
اليوم، يبدو أنّ الأمر أصبح في عُهدة تنظيمات ترفع رايات دينيّة، لتمارس لعبة الموت المجاني التي تحصد الضحايا الأبرياء، لتدنس الدين، حينما تتمترس وراءه وتدّعي الانتصار له. فغواية المال والسّلطة هما المحركان الأقوى لقيادات التنظيمات المتطرفة، حتى وإن كانت في نشوئها تسعى إلى رفع ظلم ما، وإلحاق الخسائر بالمعتدي على البلاد والعباد، لكنها مع مرور الزمن، وحينما تقوى شوكتها، يبدأ الوصوليون بالهيمنة عليها، فيما يبقى أتباعها مغيبين في وهم المثاليّة المفرطة بكل سذاجتها، يؤمنون بصدق بأنهم يناضلون في سبيل قيّم نبيلة، وقضية سامية، للظفر بالنصر للمستضعفين. فتنظيم (الدولة الاسلامية) لم يدخل بقعة أخذ ثوارها ببلوغ جزء من غاياتهم، ودحر من بغى وتجبّرعليهم وأوغل في دمائهم، إلا وكان انخراطه في مجريات المعركة خلطاً لجميع الأوراق، وينقلب الأمر وبالاً على الثوار، ويُمسون في مواجهة العالم يحملون وزر إرهاب الدنيا. ففي العراق، وئدت ثورة العشائر السنيّة. وفي سورية، تعرضت فصائل المعارضة للإنهاك، حينما وجهت داعش مجهودها العسكري باتجاههم. واليوم في ليبيا، يُحشد العالم لصالح مليشيات خليفة حفتر التي تعجز عن أي حسم، ويستثمر قائد الانقلاب العسكري في مصر مذبحة الأقباط، ليهرب من أزماته الداخلية، بزجّ الجيش المصري في حرب لا طائل منها إلا استنزافه، بل وتدميره. وليس مستغرباً، إذا ما ظهر التنظيم في اليمن ليصنع مزيداً من الفوضى، وجرّ التدخل العسكري الخارجي هناك. مثل هذه التنظيمات عندما تستنفد المُراد منها، ويُصبح وجودها عبئاً على مموليها، فإنها تنتهي وتتلاشى، ولكن، بعد أن تكون قد تسببت في مآسٍ لا حصر لها.

79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)