خلاف الحريري-جنبلاط بلبنان: تفريط بصلاحيات رئيس الحكومة وتحكّم باسيل

خلاف الحريري-جنبلاط في لبنان: تفريط بصلاحيات رئيس الحكومة وتحكّم باسيل

25 يونيو 2019
لا اتفاق على لقاء قريب بين جنبلاط والحريري(حسين بيضون)
+ الخط -
يواجه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري انتقادات متراكمة بشأن دوره السياسي، والذي ترى بعض الأطراف، خصوصاً تلك التي كانت تشكل تحالف "14 آذار" السابق (تحالف القوى المعارض لحزب الله وشركائه)، أنه يشهد تراجعاً لحساب "التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل، وصولاً إلى اتهامه من قبل البعض بالتفريط بدور رئاسة الحكومة، وكذلك بثوابت "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989.

هذه الانتقادات برزت بوضوح في الخلاف الأخير بين تيار "المستقبل" الذي يقوده الحريري، و"الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي يتزعمه النائب السابق وليد جنبلاط، وذلك إثر تغريدة للوزير الاشتراكي وائل أبو فاعور، أشار فيها إلى أنّ "العلاقة مع المستقبل ليست على ما يرام، ولدينا ‏رؤية نقدية ورأي اعتراضي على المسار السياسي الحالي، خصوصاً أنّ الأمر يتعلّق بأساسيات نظامنا السياسي ومنها اتفاق الطائف". وأكّد أبو فاعور اعتراض فريقه على "ما سمي بالتسوية السياسية وما جرّته حتى اللحظة على ‏البلاد"، في إشارة إلى التسوية التي جاءت بميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وبالحريري إلى رئاسة الحكومة.

وعلى أثر تغريدة أبو فاعور، انفجر الخلاف بين الطرفين علناً، واستدعى رداً مباشراً من الحريري شخصياً، قال فيه عبر تغريدة على حسابه على موقع "تويتر": "‏مشكلتكم يا إخواننا في الحزب التقدمي الاشتراكي مش عارفين ‏شو بدكم، لما تعرفوا خبروني".

وفي غمرة السجال الذي شارك فيه نواب ووزراء وقيادات في "المستقبل" و"الاشتراكي"، برزت إجابتان تلخصان أساس الخلاف بين الطرفين في الأشهر الأخيرة. الأولى كانت لعضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب بلال عبد الله، الذي ردّ على الحريري بالقول "إننا نعرف ونعلم ماذا تريد، وبماذا تفرّط، خصوصاً بشيء ليس ملكك، وكيف تجاهد كل يوم لإضعاف بيئتك ‏بحجة حماية الوطن، بينما الحقيقة في مكان آخر"، في إشارة واضحة إلى تحالف الحريري مع باسيل، وما لمّح إليه جنبلاط مراراً بالسرّ والعلن عن شراكة بينهما تتخطى الإطار السياسي إلى استثمارات وصفقات.

الإجابة الثانية التي تلخّص وتشير إلى الخلاف بين الطرفين كانت ‎لمفوض الإعلام في "الحزب التقدمي الاشتراكي"، رامي الريّس، الذي اختصر الأمر بالقول: "بدنا رئيس حكومة‎"، في تكرار للانتقادات التي توجّه للحريري لما يعتبره البعض تراجع دوره ودور رئاسة الوزراء.

في غضون هذا السجال، يمكن تسجيل الكثير من الملاحظات؛ أولها خروج الحريري بنفسه ليردّ على أبو فاعور، وهو ما لم يفعله قبل أيام عندما هاجم باسيل تيار "المستقبل". إذ اكتفى رئيس الحكومة بمؤتمر صحافي فور عودته إلى لبنان بعد عيد الفطر، وبسقف منخفض من التصريحات، حفاظاً على التحالف أو التسوية مع باسيل، ليعقب ذلك لقاء مطوّل بين الرجلين لترتيب الملفات بينهما والتوافق حولها. وهو ما ركّز عليه النائب "الاشتراكي" بلال عبد الله في رده على الحريري، عندما قال: "ليتك تردّ بهذه الطريقة على من يقضم صلاحيات موقعك ‏كل يوم، إلا إذا كانت إحدى شروط صفقة الكهرباء التي وضعتم بصماتها الأسبوع المنصرم في اليونان، تتطلب ‏انسحابكم من تاريخكم وإرثكم وحلفائكم".

ويمكن أيضاً تسجيل انفتاح "المستقبل" على حلفاء باسيل أو "العهد" (رئيس الجمهورية ميشال عون)، وخصوصاً الوزير السابق وئام وهاب الذي عرف بمواقفه الحادة ضد تيّار "المستقبل" ويعدّ خصماً للحزب "الاشتراكي". وقد دخل وهاب على خط السجال الأخير، وغرّد قائلاً: "يا شيخ سعد الوحيد اللي كان يعرف شو بدو وليد بك، كان أبوك الله يرحمو، ‏كان عندو الدوا. هلق المشكلة الدوا مقطوع من السوق والكل طفران بدك تتحمل"، وهي التغريدة التي لقيت تفاعلاً من قبل الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري، الذي أعاد تغريدها.

ومردّ التقارب بين "المستقبل" ووهاب يبدو واضحاً، خصوصاً أنّ أحد الملفات الخلافية هي محاولة "العهد" أو "التيار الوطني الحر"، مزاحمة "الحزب التقدمي الاشتراكي" في ساحته الدرزية منذ تأليف الحكومة، إذ فرض منح أحد المقاعد الوزارية الثلاثة إلى ما يسمى المعارضة الدرزية، فيما يضغط اليوم لمنح ثلث التعيينات الإدارية المخصصة للطائفة الدرزية والمتوقع أن تبحث قريباً، لهذه المعارضة أيضاً، على الرغم من تمثيل جنبلاط للأغلبية الساحقة من الدروز في لبنان.

وعقب موجة السجالات والردود عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نشر جنبلاط تغريدة، أوّل من أمس، دعا فيها إلى "عدم الوقوع في فخ السجالات والردود العلنية مع المستقبل". وتلا ذلك اجتماع بين الوزير السابق غطاس ‏خوري، المحسوب على "المستقبل"، وأبو فاعور، تمّ التوافق خلاله على وقف الحملات الإعلامية وتهدئة الأجواء، على الرغم من أنّ الاجتماع لم ينجح في ترتيب لقاء قريب بين جنبلاط والحريري، حلفاء ثورة "الأرز" (ما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري).

وبعيداً عن الحسابات اللبنانية الداخلية والمحاصصات، فإنها المرة الأولى التي يخرج فيها إلى العلن ما كان يحكى منذ أشهر همساً، عن دور الحريري وتفريطه بصلاحيات رئاسة الحكومة، وعن تحالفه مع باسيل. وكان هذا الخطاب سائداً منذ التسوية الرئاسية بين "المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، والتي أوصلت عون إلى رئاسة الجمهورية، ولاحقاً أدّت لتأليف الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري، والتي سمح فيها للمرة الأولى في تاريخ لبنان بأن يتحكّم فريق سياسي واحد بها، عبر منح "التيار الوطني الحر" أكثر من ثلث مقاعد الحكومة.

عملياً، تسجّل 3 أطراف رئيسية في لبنان تحفظاتها على أداء الحريري وضعفه؛ الأول هو "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي عبر صراحة عن ذلك، والثاني حزب "القوات اللبنانية" الذي لم تخرج تحفظاته إلى العلن بعد، خصوصاً أنّ دوره الحكومي محكوم بتوازنات مسيحية – مسيحية، والطرف الثالث يتمثّل بعدد من المستقلين أو من قيادات تيار "المستقبل" السابقة والحالية.

ويسجّل المعترضون، وفق ما تقول أوساطهم، تراجعاً واضحاً لدور رئاسة الحكومة، إذ يبدو باسيل فعلياً هو رئيس مجلس الوزراء، وليس الحريري، وهو ما برز في أكثر من جلسة حكومية، خاض خلالها رئيس "التيار الوطني الحر" النقاشات وكأنه رئيس الحكومة، وسط صمت الحريري. إضافة إلى فرض باسيل أجندته السياسية من ملف اللاجئين السوريين، إلى العلاقة مع النظام السوري، وغيرها.

ولعلّ هذا التراجع لدور الحريري هو ما دفع رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي إلى عقد اجتماع في بداية الشهر للردّ على باسيل، في خضم هجومه على "المستقبل" على خلفية الخلاف بشأن دور قوى الأمن الداخلي، إذ أكدوا رفضهم السجالات حول المسائل التي حسمها اتفاق الطائف والدستور اللبناني، مدافعين بذلك عن صلاحيات رئاسة الحكومة في ظلّ صمت وغياب الحريري أيضاً.