خط الفقر في الأردن

خط الفقر في الأردن

03 نوفمبر 2014
خط الفقر في الاردن مؤشر ملتبس (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
صدرت أخيراً نتائج التقرير عن مسح الفقر في الاردن، عن دائرة الإحصاءات العامة، وتم تحديد ‏القيمة النقدية لخط الفقر المطلق، بالاستناد إلى بيانات مسح دخل ونفقات الأسرة لعام ‏‏2010. ويُعرّف خط الفقر المطلق، وفق التفسير العالمي، على انه خط الفقر العام، حيث يُعبّر عن مستوى ‏الدخل أو الإنفاق اللازم للفرد لتأمين الحاجات الأساسية، التي تتعلق بالغذاء والمسكن ‏والملبس والتعليم والصحة والمواصلات.‏ 
وبالعودة الى تقرير الفقر، أشارت النتائج إلى أن القيمة النقدية لخط الفقر ‏المُطلق في الأردن بلغت 814 ديناراً للفرد سنوياً، أو 96 دولاراً‎ ‎أميركياً للفرد ‏شهرياً. وبحسب التقرير، فإن 14.4% من إجمالي سكان الأردن، يقعون تحت خط ‏الفقر العام المطلق، وهو رقم إن بدا متواضعاً وبعيداً عن الواقع، إلّا أنه لم يكن ‏مفاجئاً قياساً إلى القيمة النقدية الزهيدة، التي تم تحديدها لخط الفقر. قيمة تُثير ‏الكثير من التساؤلات حول طريقة احتسابها، فهي لا تلبي الحاجات الأساسية للأفراد، ‏خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ‏

وفقاً لأرقامها الرسمية الأردن اقل فقراً من أسبانيا وألمانيا!
ولو افتراضنا جدلاً صحّة هذه الأرقام، فإن الأردن بات أقل فقراً من دول، كإسبانيا، ‏التي سجلت نسبة فقر 19.4%، وألمانيا، التي سجلت 15.5%، وكوريا الجنوبية، التي حققت 16.5%، ‏والبرتغال، التي سجلت 18%، واليابان، التي اعلنت أن نسبة الذين يقعون تحت خط الفقر العام فيها تصل إلى 16%، ‏بل إن الرقم المسجل في الأردن بات يُزاحم دولاً تتميز بارتفاع مؤشر التنمية البشرية لديها، مثل المملكة ‏المتحدة وهولندا والدنمارك!‏
وبغض النظر عن عدالة القيمة النقدية، التي تم تحديدها لخط الفقرالمطلق، فإن ‏الأردن لا يزال يُفضّل أسلوب "الدخل" كمعيار أساسي، عند تحديد خطوط الفقر، ‏وهو معيار يعتبر الفرد "فقيراً" إذا لم يحقق حدا أدنى من الدخل. ويبدو للوهلة ‏الأولى أن أسلوب "الدخل" تعتريه سلبيات جوهرية في قياس معدل الفقر الحقيقي ‏لبلد ما، ذلك أن تحديد حجم النقود هو كل ما يلزم لتصنيف الأفراد فوق ‏خط الفقر أو تحته، في حين أن الفقر لا يمكن قياسه بالقيمة النقدية فقط، فهناك عوامل ‏يصعب تقييمها بالنقود، مثل الوضع الصحي للفرد والمستوى التعليمي والتهميش ‏الاجتماعي وغيره.‏
صعوبات في تحديد خط الفقر بالأردن

كذلك، هناك صعوبة في تحديد خط الفقر المطلق من خلال ‏‏"الدخل" فقط، وذلك لسببين، أولاً، لعدم وجود حد أدنى من الدخل الفردي متفقاً ‏عليه دولياً. وثانياً، لأن المقارنات الدولية تصبح قليلة الفائدة، مع تباين حجم الفجوة ‏بين الدخل الفردي وتكلفة المعيشة بين بلد وآخر، في حين بات ‏الأردن في السنوات الأخيرة أكثر غلاءً من السابق، مع ارتفاع الأسعار ‏لتتجاوز القدرة الشرائية للمواطن.‏
وفي هذا الصدد، فإن حلول العاصمة الأردنية عمّان في المرتبة الرابعة على ‏مستوى المدن العربية، من حيث تكلفة المعيشة، وذلك حسب "مؤشر ميرسر" ‏العالمي، والذي يقيس تكلفة المعيشة لنحو 200 سلعة وخدمة أساسية، يعتبر مؤشراً ‏آخر على فشل السياسات الاقتصادية. سياسات ساهمت في المزيد من الغلاء، في مقابل بقاء ‏مستوى الدخل الفردي من دون زيادة مؤثّرة.‏
اليوم، عدد كبير من الدول المتقدمة بات يستخدم أسلوب "الاستمرار في الحياة"، ‏في قياس معدل الفقر. فهو معيار أكثر دقة وأوسع شمولاً كونه يأخذ بالحسبان ‏الحاجات الأساسية للإنسان. فمن خلال هذا الأسلوب، يمتد قياس الفقر ليشمل أبعاداً ‏إنسانية واجتماعية أخرى، مثل عدم الحصول على الغذاء الكافي، وارتفاع وفيات ‏الأطفال الرضع، وانخفاض معدل الحياة، وقلة فرص التعليم، وعدم توافر مياه ‏شرب آمنة، وعدم كفاية الرعاية الصحية، وسوء ظروف المسكن والحياة المعيشية ‏وغيرها.‏
إن تحديد حد أدنى من دخل الفرد، بمعزل عن عوامل أخرى، لن يؤدي بالضرورة ‏إلى تحديد معدل الفقر في الأردن بالدقة المطلوبة، ذلك أن آليات قياس الفقر لا ‏تقتصر على تحديد المبلغ النقدي للاستهلاك، أو الدخل، حتى وإن كان هذا المبلغ ‏عادلاً، بل تتعداه لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لاحتياجات الإنسان ‏الأساسية.

(باحث وخبير اقتصادي أردني)

دلالات

المساهمون