خطيئة الصين

خطيئة الصين

10 ابريل 2020

صينيان في ساحة معبد السماء في بكين (27/1/2020/Getty)

+ الخط -
منذ بدأ تفشّي وباء كورونا المستجد، اتجهت الأنظار إلى الصين، لأنها البؤرة الأولى للفيروس. جميع المعلومات التي وفرتها بكين شكلت المصدر الوحيد الذي بنت عليه دول العالم تقديراتها في ما يتعلق بخطر الوباء، واحتمالات تفشّيه لديها، والسيناريوهات المنتظر التعامل معها. ولكن مع انتشاره خارج الصين، وخصوصاً في عدد من الدول الغربية، بدأت ملامح الخلل تظهر. البيانات التي توالت والمقارنات الدقيقة لا تخطئ، وجميعها قادت إلى نتيجة واحدة: كل ما كانت تقدمه الصين ناقص وغير دقيق. ولكن التوصيف الحقيقي أنّ بكين كانت تضلل العالم، سواء بالنسبة لتوقيت رصد الوباء، أو كيفية انتقال العدوى، أو عدد الإصابات والوفيات.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أظهر منذ بدء رصد الحالات في الولايات المتحدة، ميلاً فجّاً للتوظيف السياسي، وحتى العنصري، للأزمة الصحية، واصفاً كورونا بالفيروس الصيني، شكل خداع بكين المادة المناسبة له لبدء معركة سياسية جديدة، والتغطية على الخلل الذي عانته إدارته في التعامل مع خطر الوباء. ولترامب حساباته الخاصة، وهو الذي يشاهد كل رهاناته بشأن الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل تتلاشى، جرّاء تداعيات تفشي الوباء، سواء لجهة الخسارات الكبيرة في الأرواح، أو عدم قدرة النظام الصحي على تحمّل الضغط، أو تراجع المؤشرات الاقتصادية التي كان، حتى أسابيع قليلة، يُتفاخر بها. وبالنسبة إليه، يتحمّل الجميع مسؤولية الكارثة التي حلّت، من الصين إلى منظمة الصحة العالمية، ما عدا فريقه الذي كشفت صحيفة نيويورك تايمز ووكالة رويترز حجم الإرباك الذي واجهه قبل التوصل إلى قرارٍ ببدء فرض قيود حظر السفر واتخاذ تدابير المواجهة.
ولكن ذلك لا يلغي حقيقة الخطيئة التي ارتكبتها الصين بحق العالم؛ فلو أنها التزمت، مرة في تاريخها، الشفافية منذ بدء رصد إصابات بمرض تنفسي، وعدم التأخر أكثر من أسبوعين في إبلاغ منظمة الصحة العالمية بوجود وباء، وقدّمت المعلومات الحقيقية عنه أولاً بأول، لأمكن عمليا، اتخاذ إجراءات احترازية أسرع وأوضح، كانت كفيلةً بأن تساهم في احتواء مبكر له وبدء الاستعدادات للتعامل معه، لأن عدم انتقاله في زمن انفتاح الدول على بعضها البعض، ومع انتقال مئات آلاف المسافرين يومياً بمثابة أمر مستحيل.
يدفع المواطنون في الصين، كما في معظم الدول التي وصل إليها كورونا، اليوم، ثمن تستر النظام الصيني على تفشّي الفيروس أسابيع. وقد تعاملت بكين مع الوباء، كما مختلف القضايا السياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان التي تواجهها، على أنه شأن داخلي، لا يحق لأحد في العالم معرفة الحقيقة الكاملة بشأنه. وبعدما عجزت عن حجب انتشاره، خصوصاً بعدما تكفل أطباء وناشطون بالحديث عن ما يجري، صدّرت بكين إلى العالم البيانات التي تريدها بشأن الفيروس، والروايات التي اختارتها عن نجاح مكافحته، وأخفت تفاصيل كثيرة عنه، ما أنتج الكارثة الصحية التي أدت إلى شلل في العالم.
صحيحٌ أن نسبة الإصابات تراجعت في الصين وعادت الحياة إلى ووهان، بؤرة الوباء الأولى، بعدما تمكّنت بكين، بفعل قبضتها الأمنية الصارمة التي تتيح لها تطبيق أي سياسةٍ تريدها في غضون ساعات لا أيام، من اتخاذ إجراءات مشدّدة لاحتواء الفيروس، ولكن ذلك لا يمكن وضعه في خانة أي انتصار، لأن كلفة ما اقترفته الصين هائلة. وهي تتحمّل الجزء الأكبر من مسؤولية خسارة عشرات آلاف الأرواح، فضلاً عن تهديد الأنظمة الصحية، وتعريض الاقتصاد العالمي لأخطر أزماته منذ عقود. وذلك كله يظهر حجم خطورة النظام الصيني وما شابهه من أنظمة في العالم، لأن محصلة وجوده واحدة من أخطر الكوارث في تاريخ البشرية.
جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات