خطة لتعزيز أمن بغداد ومواجهة تغول المليشيات

خطة لتعزيز أمن بغداد ومواجهة تغول المليشيات

26 يوليو 2020
عناصر من الجيش العراقي في بغداد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يعتزم رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إجراء تغييرات في القوات العسكرية التي تتولى الملف الأمني في العاصمة بغداد، في خطوة ستكون الأولى من نوعها منذ عام 2011، وذلك بسبب التراجع الأمني الواضح في العاصمة العراقية، وتزايد أعمال العنف من اغتيالات وخطف وهجمات مسلحة، وفشل القيادات الميدانية في التعامل مع النفوذ المتصاعد للمليشيات الموالية لإيران، وتورط بعض القيادات العسكرية في محاباة أو مجاملة بعض منها، وفقاً لمصادر عسكرية وحكومية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد". وقالت هذه المصادر إنّ التغييرات ستتم بشكل تدريجي خلال الأيام القليلة المقبلة، ضمن خطة لرئيس الحكومة بتعزيز أمن العاصمة. ويشكل تراجع الأمن في العاصمة تحديداً، مخاطر كبيرة قد تؤثر على العملية السياسية برمتها، ما يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة تتجاوز حدود المجاملات والرضوخ لضغوط بعض الجهات.
وقال مسؤول حكومي رفيع لـ"العربي الجديد"، إنّ أول التغييرات سيجري من خلال نقل قيادات عسكرية وميدانية في بغداد، إلى مفاصل أخرى تابعة لوزارة الدفاع، واستقدام قيادات وضباط ميدانيين من القوات القتالية التي خاضت معارك ضد تنظيم "داعش" في السنوات الماضية، لافتاً إلى أنّ اللواء 54 في الجيش العراقي الماسك للأرض في بغداد، سيتم تغييره وقد يحل بدلاً منه لواء أو اثنان من الجيش من القوات التي خاضت معارك تحرير الأنبار ونينوى من "داعش". وأكد أنّه في الأيام القليلة المقبلة ستتم المباشرة بخطة تدعيم أمن العاصمة، وفقاً لدراسة تجريها بعض القيادات الأمنية لمواجهة مخاطر الجماعات الخارجة عن القانون.


اللواء 54 في الجيش العراقي الماسك للأرض في بغداد، سيتم تغييره وقد يحل بدلاً منه لواء أو اثنان من القوات التي خاضت معارك تحرير الأنبار ونينوى من "داعش"

وأشار المسؤول نفسه إلى أنّ "الكاظمي يتعامل بجدية مع المخاطر المتزايدة في العاصمة، ومحاولات بعض المليشيات إثارة الفوضى، ما دفعه (رئيس الوزراء) إلى دراسة توسيع دائرة مهام قيادة عمليات بغداد بعد إجراء تغييرات فيها، وأن يكون لها دور في ضبط الأمن، وسرعة التعامل مع التطورات الميدانية من أعمال عنف وخطف".

من جهتها، أكدت مصادر عسكرية في قيادة عمليات بغداد هذه المعلومات، وأوضحت لـ"العربي الجديد" أنّ "عملية مراجعة شاملة ستشهدها بغداد لتعزيز أمن العاصمة وفرض سيطرة القوات الأمنية عليها". ولفتت إلى أنّ "هناك ضباطاً تمّ فعلاً نقلهم إلى خارج العاصمة خلال الفترة الماضية واستقدام آخرين مكانهم". وقال أحد تلك المصادر، وهو ضابط برتبة عقيد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمر قد لا يقتصر على بغداد فقط، بل كل مدن العراق التي تم رصد ضعف للقيادات العسكرية فيها، وذلك ضمن رؤية أمنية جديدة".

بدوره، قال القيادي في تحالف "الوطنية"، وعضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن دورته السابقة، حامد المطلك، إنه "بات من الضروري استبدال بعض القوات العسكرية التي مضى زمن طويل على وجودها في بغداد، بقوات أخرى لها القدرة على ضبط الملف الأمني بشكل أكبر". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوضع الأمني في بغداد مترد جداً وسيئ، خصوصاً مع تصاعد الأعمال الإجرامية من خطف وقتل وغيرها، وما جرى ويجري من أحداث في بلدة الطارمية شمال بغداد (حيث وقع هجوم مسلح أودى بحياة قائد عسكري بارز في الجيش العراقي في 17 يوليو/تموز الحالي، وتبع ذلك حزمة من البيانات والتصريحات التي اعتبرت تحريضية ضد المدينة، ولا سيما من قبل بعض عناصر المليشيات ومؤيديها)، وكذلك ما يجري من تصعيد للمليشيات ضدّ القوات الأميركية، وهذه كلها ربما تكون من أهم العوامل التي دفعت بالكاظمي نحو إجراء التغييرات".

وشدد المطلك على أنّ "مسؤولية استتباب الأمن تقع على عاتق الكاظمي، وهو لديه معلومات عن عدم قدرة بعض القوات على إدارة المنطقة المكلفة بحمايتها"، معتبراً أن التغيير المرتقب "إجراء صحيح يخدم الوضع الأمني الذي يتطلب إجراءات حاسمة تشعر المواطن بأن الحكومة تتخذ خطوات لضبط الأمن، سواء في قلب العاصمة أو في أطرافها. لذلك، فإنّ هذا التغيير يعطي صورة بأن الحكومة تقوم بواجباتها".


الأمر قد لا يقتصر على بغداد، بل كل مدن العراق التي تم رصد ضعف للقيادات العسكرية فيها

أمّا النائب عن تحالف "القوى العراقية" أحمد المشهداني، فأكد أنّ "التطورات المتسارعة في الملف الأمني، تتطلب اتخاذ قرارات عاجلة"، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ "هناك ضرورة لأن يكون نهج القوات المكلفة بحفظ الأمن مهنياً، ووفقاً لمعايير حقوق الإنسان". وقال المشهداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الكاظمي والقيادات الأمنية هم المسؤولون عن اتخاذ القرارات التي يرونها صحيحة في تحريك أو استبدال القوات الماسكة للملف الأمني، وفقاً لتقدير الموقف الأمني".

وأكد أنّ "تطورات الملف الأمني، لا سيما في بلدة الطارمية، تستدعي اتخاذ قرارات عسكرية لاستبعاد المنهجية الخاطئة بإدارة هذا الملف، إذ إنّ ما حصل في البلدة كاد أن يدفعها نحو منزلق خطير، إلا أنّ خطوات الكاظمي (الذي زار الطارمية) دفعت باتجاه السيطرة على الوضع وضبط أمن البلدة وإبعاد شبح الطائفية الذي سعت بعض الجهات لإعادته". وتابع المشهداني: "نحتاج إلى اتخاذ قرارات جريئة وقوية، وأن تكون هناك إرادة حقيقية ودعم من قبل الكتل السياسية لضرب الإرهاب والمليشيات والقوى الخارجة عن القانون"، معتبراً أنّ "التأييد السياسي لقرارات الكاظمي سيبعِد العراق عن التوجه نحو المجهول، في ظلّ وجود صراع بين الدولة واللا دولة".

إلى ذلك، رأى مراقبون أنّ الكاظمي أدرك خطورة الفصائل المسلحة التي تدفع باتجاه إثارة العنف والفوضى، والتي صعدت عنفها بعد عملية اعتقال 14 عنصراً من مليشيا "حزب الله" العراقي الموالي لإيران في وقت سابق.


المشهداني: التأييد السياسي لقرارات الكاظمي سيبعد العراق عن التوجه نحو المجهول

وقال الخبير في الشأن الأمني العراقي، ماجد العزاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الضغوط التي تعرّض لها الكاظمي عقب اعتقال عناصر المليشيا والتي أجبرته على إطلاق سراحهم، ومن ثمّ تصاعد أعمال العنف في بغداد بشكل متسارع، كشف لرئيس الحكومة خطورة المجاملات في الملف الأمني، والحاجة إلى ضبّاط مهنيين بدون علاقات مع السياسيين وقادة الفصائل المسلحة". وأوضح أنّ "الواقع الميداني ينذر بمخاطر كبيرة، دفعت الكاظمي نحو دراسة إجراء تغييرات عاجلة في إدارة ملف أمن العاصمة"، مشيراً إلى "أهمية التغيير، واتخاذ الخطوات العاجلة، وإلا فإنّ الملف الأمني في بغداد يتجه نحو انحدار خطير".

وشهدت العاصمة العراقية بغداد في الأشهر الثلاثة الماضية سلسلة من الحوادث الأمنية الكبيرة، تضمنت هجمات بصواريخ "كاتيوشا" وعمليات خطف واغتيال، فضلاً عن انتشار واسع للفصائل المسلحة وعودتها إلى اتخاذ مكاتب ومقرات لها داخل الأحياء السكنية المهمة في وسط العاصمة. ويضاف إلى ذلك الاتهامات لقيادات أمنية بالتورط في قمع التظاهرات العراقية، مما تسبب في مقتل وإصابة الآلاف من المتظاهرين في بغداد، فضلاً عن اختطاف عشرات الناشطين.