هدأ التوتر المستجدّ نسبياً في سنجار العراقية، بعد الإعلان عن انسحاب مرتقب لحزب "العمال" الكردستاني منها، كما أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مدير استخباراته هاكان فيدان، الذي التقى مع مسؤول عراقي، أمس الإثنين، لبحث العملية العسكرية العراقية في سنجار. وقال أردوغان، قبل مغادرته لحضور قمة مع زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إن "تركيا ستتخذ كل ما يلزم إذا فشلت عملية الحكومة العراقية في سنجار".
من المقرر مغادرة دفعة جديدة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني مدينة سنجار العراقية (80 كيلومتراً غربي الموصل)، اليوم الثلاثاء، وفقاً لتأكيدات قائمقام المدينة محما خليل، لـ"العربي الجديد"، معتبراً أن "هناك حاجة لتشكيل لجنة ميدانية للتأكد من انسحابهم بشكل كامل". ونوّه إلى أن "عودته إلى المدينة لمزاولة مهامه من هناك مرهونة بعودة الجيش العراقي للمدينة". وهو الأمر الذي حصل فعلاً، مع كشف مسؤولين في الحكومة العراقية عن تحرك قوات الجيش العراقي نحو سنجار لتسلّم إدارتها رسمياً وبسط سلطة الدولة عليها.
وكان مسلحو الحزب دخلوا سنجار من الحسكة السورية وجبال قنديل الحدودية بين العراق وتركيا وإيران، للمرة الأولى، في العاشر من أغسطس/آب 2014، تحت غطاء "قتال تنظيم داعش وتحرير المختطفين الأيزيديين". واتخذ "العمال" أجزاء من المدينة وقرى تابعة لها معقلاً جديداً له إلى جانب معقل جبال قنديل الحدودية بين العراق وإيران وتركيا. وسيطر عناصر حزب "العمال" على أجزاء واسعة من المدينة والقرى المحيطة بها، كما درّب الحزب أبناء سنجار من الأكراد الأيزيديين على القتال، وشكّل "وحدات حماية سنجار" وكذلك مليشيا "ايزيد خان"، المدينة بالولاء لحزب "العمال" والمنتشرة إلى جانب مسلّحي الحزب في المدينة، وعددهم بين 1000 و1200 مقاتل كردي أيزيدي.
وقال وزير في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش سيتسلم ملف سنجار بشكل تدريجي، ولا يمكن القبول، في أي ظرف أو حال من الأحوال، دخول القوات التركية لأكثر من 100 كيلومتر داخل العراق". وأضاف "الحزب ينسحب بشكل تدريجي إلى داخل سورية، وعلى ما يبدو لديهم تنسيق مع الفصائل الكردية الموجودة هناك. وما يهم هو أنهم يخرجون من المدينة، واللواء 92 بالجيش العراقي سيتسلم رسمياً إدارة المدينة، وسيتم إخضاع المدينة لبرنامج إعادة النازحين وإعادة تفعيل الدوائر الرسمية فيها، بعد طرد المسؤولين المحليين الذين وضعهم حزب العمال في بعض مفاصل المدينة وإعادة حكومتها الشرعية إليها، ممثلة بقائمقام المدينة، محما خليل، وباقي رؤساء الدوائر الخدمية الموجودين حالياً في الموصل ودهوك وأربيل". وتوقع الوزير أن "تستمر عملية الانسحاب لأكثر من أسبوع من مناطق بارة وسنوني وخانه صور وقرطبة وعين فتحي وكرسي، وقرى أخرى يوجد بها مسلحو الكردستاني في سنجار".
وكان أردوغان قد أعلن، مساء الأحد، عن البدء بعملية عسكرية في سنجار ضدّ "العمال"، إلا أن بغداد نفت ذلك، وأكدت عدم وجود أي تحرك عسكري أجنبي داخل الأراضي العراقية في الوقت الحالي.
أما رئيس مجلس نينوى (الحكومة المحلية)، بشار الكيكي، فقد كشف، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، عن "نية الحكومة الاتحادية في بغداد بإنهاء ملف سنجار بشكل سريع، من خلال سلسلة إجراءات عسكرية وإدارية تهدف في النهاية إلى منع أي تدخّل عسكري وخرق لسيادة العراق من الخارج". وبيّن أن "الوضع في مدينة سنجار غير طبيعي وتحرّرت منذ ثلاث سنوات. ومع الأسف لم يعد أهلها ومواطنوها إليها حتى الآن بسبب مليشيات أجنبية (حزب العمال)، وهم غير عراقيين ويسيطرون على مفاصلها بشكل كامل، وتحولت المدينة إلى مكان صراعات إقليمية".
وتابع "الآن الحكومة العراقية بدأت بمعالجة الوضع، رغم أنها تأخرت كثيراً في ذلك، والخطة تشمل انتشار القوات العراقية وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها وإعادة سكانها. ونأمل أن يتم ذلك سريعاً، لكن حقيقة أنا لا أعتمد على تقارير انسحابهم من سنجار وننتظر تقارير ميدانية. وعن نفسي أشك في أنهم سيغادرون بشكل كامل، فليس لدى حزب العمال مصداقية فيما يقول. ويجب تشكيل لجنة من بغداد وبمشاركة من حكومة نينوى للتأكد من ذلك".
وأضاف "سنبلغ قائمقام سنجار وباقي مديري الدوائر بالعودة إلى المدينة، بمعية وحماية الجيش، والبدء بإعادة الاستقرار إليها، بعد رحيل مصدر قلقها وتهديد أمنها (في إشارة إلى حزب العمال)". وختم بالقول "فقط، نحن في حكومة نينوى ندرك مدى الألم الذي يعانيه أهالي سنجار وهم في المخيمات، بينما الغرباء يحتلونها، ويجب أن ينتهي ذلك".
قائمقام مدينة سنجار، محما خليل، كشف، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن "وجود معلومات حول استعداد مسلحي حزب العمال بتنظيم كرنفال، اليوم الثلاثاء أو غداً الأربعاء، خلال عملية انسحابهم من سنجار"، مبيّناً أنه "حتى الآن، لا يمكن القول إنهم انسحبوا فعلاّ حتى التأكد من أن المواقع الاستراتيجية في جبل سنجار أخلوها بالكامل، لذلك نحن نراقب تحركاتهم حالياً".
وأضاف أن "هذه مليشيا عرقلت عودة السكان وتسببت في موت المدينة وتأخّر الإعمار، ويجب على بغداد منع التدخل التركي والحفاظ على هيبة الدولة، من خلال التأكد من أنهم سيغادرون المدينة كلياً". وتابع "أبلغت رئيس الحكومة حيدر العبادي، بأن عودة السكان مرهونة بخروج مسلّحي حزب العمال، لكن حتى الساعة هناك قواعد ومقرّات لهم في جبل سنجار وقرى جنوب سنجار، وننتظر إذا ما كانوا سينسحبون كلياً من المدينة".
وأوضح "هناك قوات محلية موالية لهم، هم اليبشه ويزيد خان، وهذا ملف آخر على الحكومة في بغداد أن تعالجه". ووفقاً لخليل، فإن "أي عملية تركية تعني أن هناك أبرياء سيسقطون بالقصف الجوي أو التحرك البري بالتأكيد". وتابع أنه "في حال دخل الجيش العراقي، سأعود إلى المدينة لمزاولة مهامي من هناك. ولكن حالياً لا احترام لقرارات الدولة، ونأمل أن يحترموها بعد دخول الجيش وتطبيقه القانون هناك. وأول ما عليه أن يعتقل من نصّبوا أنفسهم مسؤولين على المدينة بحماية حزب العمال الكردستاني، كونهم مرتبطين بجرائم قتل وتهجير وسرقة المال العام والخاص في سنجار".
"الحديث عن عملية عسكرية تركية برية نحو سنجار من قبل المسؤولين الأتراك، لا تبدو منطقية، لناحية الجغرافيا والوجود العسكري في المنطقة"، وفقاً للخبير في الشؤون الأمنية العراقية، أحمد عبد السلام، الذي أكد أن "القصف الجوي أقرب إلى الواقع من الاجتياح البري، على غرار عفرين السورية".
وأضاف عبد السلام لـ"العربي الجديد"، أن "القوات التركية تحتاج كي تصل إلى أولى قرى سنجار، العبور لمسافة 109 كيلومترات من الحدود التركية عند مثلث فيشخابور التركي العراقي السوري. والمسافة بين هذه المنطقة وسنجار تحوي قوات عراقية من الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، فضلاً عن البشمركة الكردية. ويتطلّب الوصول إلى سنجار تجاوزها أولاً، وهذا ما يمكن اعتباره مستحيلاً إلا في حال وجود تنسيق مع بغداد".
ولفت إلى أن "الطريق الثاني إلى سنجار يكون عبر الأراضي السورية، من خلال الحسكة ثم بلدة الهول السورية، وصولاً إلى سنجار بواقع 90 كيلومتراً. وهذا ما يفرض على القوات التركية قتال الفصائل الكردية في الحسكة. وهو ما يمكن اعتباره غير منطقي أيضاً، لذا فإن العملية الجوية أقرب للواقع في حال قررت أنقرة. كما أن فرضية الإنزال مستبعدة، بسبب تضاريس المنطقة".
من جهته، أوضح عضو البرلمان العراقي، زانا روستاي، لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث عن عملية عسكرية تركية تعني إما إنزالا جويا أو تنسيقا مع بغداد. وغير ذلك مستحيل". وأضاف "نأمل أن يكون الحل هو ما تفعله بغداد بإحلال الجيش العراقي في المدينة، بدلاً من حزب العمال، تجنباً لسيناريو قصف أو هجمات نحن في غنى عنها".