خطبة الجمعة في مصر

خطبة الجمعة في مصر

22 أكتوبر 2015
التعميم مذموم (فرانس برس)
+ الخط -
منذ سنوات وخطبة الجمعة في مصر تعد نوعا من أنواع العقاب الجماعي، يذهب إليه الناس طوعا من جهة وكرهًا من أخرى، وذلك متعلق بالخطباء وإمكاناتهم من حيث الأداء أو تفسيرات المتكلم للمادة، أو المحتوى نفسه، وربما إن تجاوز كل ذلك أطال لدرجة الملل، وكأنه اقتنص فرصة لإصغاء الناس إليه وهو خامل الذكر.


مما ينبغي أن يشار إليه ابتداء، أن حالة التردي الحاصلة سابقة للانقلاب العسكري، وليس هو سببا فيها كما يزعم بعض الإسلاميين، بل إنها ساءت بقدر كبير في فترة بروز الإسلاميين كقوة أساسية في الدولة قبل الرئاسة وأثناءها، من حيث هشاشة المحتوى وسطحيته، أو طائفيته أو إثارته التنازع في المجتمع بالتوظيف السياسي، وهو الأمر الذي لم يختلف حاليا، بل صار بشكل أكثر فجاجة، والأخطر من دون قدرة على الاعتراض كما كان من قبل، وربما كانت إشكالات التوظيف السياسي أسوأ بكثير من هشاشة المحتوى أو سطحيته؛ لأن التوظيف السياسي كان يجعل بعض المصلين يقومون بإنزال الخطباء من على المنابر قسرا، وهو فعل يؤثر على مكانة المنبر لا مكانة معتليه، وهو إجرام كبير بحق المقام الذي وقف عليه وأهانه.

حالة التردي تلك متعلقة بحال المؤسسة التعليمية الدينية باعتبار اتصالها المباشر بتصدير الخطباء، وضعف المؤسسة الدينية كلها من جهة أخرى، سواء كان ضعفها ماديا أو مستسلما للنظم الحاكمة.

ضعف المؤسسة التعليمية الدينية أمر ظاهر للجميع دون سعي من أحد لرفع كفاءته، وكأن تلك الحالة مرادة ليظل سلطان الوحي ضعيفا في الحياة العامة، وإذا تفرّخ من ذلك الضعف متشدد أو سيئ فهم، خرجت دعوات تجديد الخطاب الديني، ويبدو أن المراد "تطويع" الخطاب.

ما نعلمه أن نسبة النجاح في المعاهد الأزهرية في مجموعها لا تبلغ نصف الطلاب أو أكثر بقليل، والطالب المتخرج من الجامعات الشرعية يُفترض فيه إتقان الكتاب وأدوات فهمه وأولها اللغة، وكل ذلك يُدرّس، لكن الواقع أن قسطا غير قليل لا يتقن قراءة الكتاب العزيز فضلا عن حفظه أو امتلاك ناصية أدواته، ومثل هذا إن لم يجد عملا يغنيه وقف على المنبر يخطب ويعظ ويعلّم الناس.

أما بعض من تجاوز ذلك وأراد التوجه للدراسات العليا، وجد عَنَتا من الأساتذة حتى ينصرف عن رغبته في الترقي العلمي والوظيفي داخل الأزهر، وأصبح ذائعا أن أساتذة الأزهر "المقبلون على الآخرة" لا يتوسعون في إعطاء الدرجات العلمية لأنهم لا يبغون مقاسمة في رزقهم.

الضعف الثاني في أساسه متعلق بحصر النفقة على المؤسسة الدينية كلها من قبل السلطة السياسية، وسحب الأوقاف التي كانت تصرف عليها، ذلك الحصر بيد الأنظمة جعل الآخذون منها يتعلقون بإشارات الحكام، حتى لا ينقطع مصدر الرزق، أما الوقف الأهلي فإنه يجعل سلطة المنح والعطاء للمجتمع، وبالتالي تكون رعاية مصالحه هي غاية أهل الدين، ورغم عدم تبرير انعدام وجود الوقف لحالة التردي لمن يفترض فيهم التعلق بالرازق وحده، لكن سنته في الخلق ألا يسلم "المجموع" من آفات المجتمع، وإن سَلِم البعض.

السلطات المستبدة تدرك جيدا أهمية هدم السلطات الموازية، ومن أقواها السلطة الدينية على النفس، فعمدوا إلى الإفقار المادي والعلمي لفئة الوعاظ والعلماء، وجعلوا لهم سيفا وذهبا، والسيف ردعه أقوى من الذهب فيما نرى، وذلك الانهزام أمام السلطة ممن يُفترض التجاؤه لسلطان ربه، يورث صاحبه ظلمة في القلب والوجه واللسان، كما رأينا في بعضهم، وإن لقبوه بـ "نور" الدين.

ما يحتاج إليه الخطباء والوعاظ والعلماء، أن يُجَنّبوا الحاجة والعوز، فيتفرغوا للتحصيل النافع، ليبذروه في المجتمع، وحينها يعلم المُعلم الغث من السمين، ويُقدّر أنه مؤتمن على العقول، وأن الإنصات له أمانة ينبغي أن يرقبها لا أن يحيله لعنة عليه، ويصير مستغنيا عن أي حاكم وسلطان إلا سلطان الأمانة التي حملها، والميثاق الذي قطعه عليه رب العالمين.

من نافل القول أن التعميم مذموم، ولكن تجنبا للجدل العقيم والفهم السقيم، وجب التنويه.

(مصر)

المساهمون