Skip to main content
خطاب ترامب: عظة حربية بلغة غريبة عن الأمم المتحدة
فكتور شلهوب ــ واشنطن

في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، خاطب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المجتمع الدولي بلغتين على طرفي نقيض: لغة فرض "الوهرة"، ولغة إلقاء الوعظة. 

من جهة، لوّح ترامب بقبضة "التدمير"، ومن جهة ثانية تغنّى بفضائل القيم الدولية والإنسانية المشتركة. الشطر الثاني كان إنشائيا من لوازم المناسبة وأجوائها، فيما كان الشق الأول لبّ خطابه. 

واللافت في خطاب الرئيس الأميركي أنه جاء بصيغة غير مألوفة في مثل هذا اللقاء الدولي، لأنه أراد، ربما، أن يكون لخطابه الأول أمام هذه الهيئة الدولية الفريدة في مستواها وشمولها، وقعه الذي يعزز الصورة الشائعة عن ميله لسياسة العصا في التعامل مع الخارج. 

فعبارة "تدمير" في إنذاره لكوريا الشمالية غير مستخدمة في هذا المنتدى، حتى في تخاطب الأعداء على ساحتها، لا سيما وأنها أوحت باحتمال اللجوء إلى أسلحة الدمار. 

وما يثير المخاوف أن التلويح بـ"الرد الماحق"، في أزمة تُمارس فيها لعبة حافة الهاوية بأقصى درجاتها، ينطوي على مجازفة بتسريع الانزلاق إلى مواجهة عسكرية لن تكون في مصلحة أحد. وما أثار الاستغراب أن التصعيد بهذا الشكل، وبصرف النظر عن استفزازات بيونغ يانغ، من شأنه أن يساهم في تقويض الاتصالات الجارية، بعيداً عن الأضواء لتبريد المشكلة، والتي قيل أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون يجريها مع بكين وموسكو، ووصفت بأنها "واعدة". 

التمادي في التهديد قد يؤدي إلى نتيجة معاكسة، على حد تعبير أحد المراقبين، كما أنه من المستبعد أن يحمل بكين وموسكو على ممارسة "الضغوط الكافية" لردع الزعيم الكوري الشمالي. 

الرئيس ترامب توعّد في أوائل الأزمة بصبّ جام "الغضب والنار" على كوريا الشمالية لو تجرّأت وقصفت قاعدة غوام الأميركية أو هددت جيرانها، لكن التهديد لم يمنع بيونغ يانغ من إطلاق صاروخ عابر فوق اليابان، وبمسافة تكاد تكون كافية للوصول إلى غوام. كما لم يحمل الصين على كبح جارتها الكورية.

كذلك، أثار موقف الرئيس من النووي الإيراني ردود فعل سلبية. في كلمته، وعد ضمناً بالتراجع عنه. وقبل أيام مهّدت سفيرته في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، لمثل هذا التراجع القادم أواسط أكتوبر/ تشرين الأوَّل المقبل. واليوم تقريباً أكده الرئيس، عندما قال إن الكلمة الأخيرة بشأن هذا الاتفاق "لم تُسمع بعد"، إلا إذا أفلحت الضغوط والكوابح القادرة داخل الإدارة الجنرلات الثلاثة  في صرفه عن هذا الخيار. 

أوساط أميركية كثيرة لا تخفي حيرتها وتخوفها من التناقض في مواقف البيت الأبيض عموماً، وفي الملف النووي الإيراني خصوصاً، فهو يتجه للتملص من اتفاق تشهد وكالة الطاقة الدولية بأن تطبيقه يسير على ما يرام من جانب إيران، وفي الوقت ذاته تؤكد إدارته، خاصة وزارة الخارجية، أنها تأمل في تحقق شروط الجلوس مع كوريا الشمالية للتوصل إلى اتفاق نووي صاروخي معها. من ناحية تعمل على نسف اتفاق معقود، ومن ناحية ثانية تسعى لعقد اتفاق مماثل مع طرف آخر. 

في العادة، يغتنم الرئيس الأميركي فرصة خطابه الأول في الأمم المتحدة ليعرض من على منبرها مقاربته الكونية، في ما خصّ التعاون الدولي على مواجهة التحديات المشتركة، مثل أزمة المناخ في الوقت الحاضر، والأزمات الملتهبة في العالم، وحالياً في الشرق الأوسط، لكن هذه الأخيرة غابت إجمالاً عن خطاب ترامب، الذي لا تربطه أصلاً علاقة ودية ولا أممية طبعاً مع المنظمة الدولية، ولا مع صيغة الاتفاقات والشراكات الدولية التي ينظر إليها بتوجس وارتياب، حتى لو جرت مع حلفاء أميركا المقربين، مثل الأوروبيين.

ومن هنا، كان طغيان موضوع الاتفاق الإيراني وإنذاره لكوريا، والذي توقفت عنده معظم الردود، مع التخوف من خطر ترجمته ميدانياً، إذا ما رجحت كفة التشبث ومنطق التحدي. 







مواد الملف