خطأ دبلوماسي أميركي ساهم بإنجاح انقلاب 1953 في إيران

وثائق: واشنطن روجت خطأً لدعم ملكة بريطانيا لانقلاب 1953 في إيران

12 يونيو 2020
شاه إيران وسط مجموعة من الصحافيين عام 1953 (Getty)
+ الخط -
أخبر السفير الأميركي لدى إيران، بطريق الخطأ، الشاه عام 1953، بأن الملكة إليزابيث الثانية، التي توجت حديثا آنذاك في بريطانيا، دعمت خطة للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب في البلاد، وظلت أميركا متمسكة بالرواية حتى بعد إدراك الخطأ، حسب ما يقول مؤرخون الآن.
الكشف المبني على مراسلات دبلوماسية أميركية نقلها مؤرخون، يعكس كيف جاهدت أميركا حتى اليوم لتقديم شهادة كاملة صريحة عن تحركاتها في الانقلاب الذي رسخ حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وأشعل فتيل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
وقال ريتشارد ألدريتش، الأستاذ بجامعة وارويك، الذي سيعرض بحثه عن المراسلات في وثائقي بالقناة الرابعة في بريطانيا، الأربعاء: "هناك قبول بأنك لن تحصل على القصة الكاملة مطلقا. أنت في رحلة في محاولة للوصول لأفضل تاريخ، لكنك لن تحظى بالقصة الكاملة أبدا".
وانتهى الانقلاب 1953 بتمكين الشاه بنجاح، حتى بعد فراره إلى بغداد ومنها إلى إيطاليا حيث بدا كما لو أنه سيفشل.
كان للشاه جذور في تأميم النفط في إيران، الذي كان معظمه مملوكا آنذاك لبريطانيا. ومحمد مصدق، الذي دعم التأميم، أصبح بعدها رئيس الوزراء الإيراني. وفرضت بريطانيا حصارا على البلاد وفي النهاية أمرت بإغلاق سفارتها في طهران.
ثم لجأت بريطانيا، التي كانت قد بدأت في وضع خطط انقلاب محتمل، إلى الولايات المتحدة في عهد دوايت أيزنهاور. ووافق أيزنهاور، خوفا من انتشار الشيوعية وسط الحرب الباردة النامية مع الاتحاد السوفييتي، على مخطط الانقلاب "تباجاكس"، وهو الاسم الحركي الذي أطلقته الاستخبارات المركزية الأميركية على مخطط الانقلاب.
وأظهرت وثائق أن الاستخبارات المركزية الأميركية في لحظة ما "خزنت ما يكفي من الأسلحة ومواد الدمار لدعم منظمة عصابية من عشرة آلاف رجل لستة أشهر"، ودفعت رشاوى وتكاليف أخرى قدرها 5.3 ملايين دولار، أي ما يعادل 48 مليون دولار اليوم.
وأشارت واحدة من وثائق "سي آي إيه" إلى فكرة أن "عددا من أعضاء هذه الأجهزة الأمنية الإيرانية البارزين عملاء تدفع لهم هذه المنظمة أموالا". لكن الانقلاب واجه مشكلات، وكان أهمها الشاه نفسه، فقد وصفه دبلوماسيون وجواسيس بأنه "ضعيف" و"سيئ الطبع". وقال ألدريتشن، إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وصفته بأنه "فتى الكشافة".
وكان الشاه يخشى تنامي قوة مصدق، واستعد للفرار من إيران في فبراير / شباط 1953، قبل أشهر من الانقلاب. وهرع السفير الأميركي لوي دبليو هندرسون إلى القصر محاولا مقابلته.

ولكن بدلا من ذلك، قابل حسين علاء، وزير المحاكم في إدارة الشاه، والذي اتصل بالشاه على خط هاتف القصر.
وعلى الرغم من المخاوف من أن الهاتف قد يتم التنصت عليه، تحدث هندرسون من خلال علاء إلى الشاه، كما روى الفيلم الوثائقي للقناة 4 بعنوان "الملكة والانقلاب" وبرقية دبلوماسية لاحقة من قبل هندرسون.
وفي البرقية كتب هندرسون قائلا: "تلقيت للتو رسالة تشير إلى أن شخصا مهما للغاية يتمتع الشاه بمشاعر ودية للغاية تجاهه قد أعرب أيضا عن أمله الصادق في إثناء الشاه عن مغادرة البلاد".
هذه البرقية، وهي جزء من برقيات أخرى أفرجت عنها وزارة الخارجية الأميركية في العام 2017، تتضمن حاشية تشير إلى برقية أخرى من سفارة الولايات المتحدة بلندن.
وجاء في هذه الحاشية: "أبلغتنا وزارة الخارجية بعد ظهر اليوم باستلام رسالة من (وزير الخارجية أنطوني) إيدن من الملكة إليزابيث تعرب فيها عن قلقها إزاء آخر التطورات المتعلقة بالشاه، والأمل القوي في إيجاد بعض الوسائل لإثنائه عن مغادرة البلاد". وهذا يشير إلى أن الملكة إليزابيث هي نفسها التي أرسلت رسالة.
وبدلا من ذلك، كان إيدن في ذلك الوقت على متن السفينة "كوين إليزابيث" في طريقها إلى كندا، وهو ما كان يقصده الدبلوماسيون الأميركيون في لندن.
وأدركت السفارة الأميركية في لندن خطأها، وبعثت رسالة أخرى حذرت فيها من أن "كوين إليزابيث تشير بالطبع إلى السفينة وليس ... إلى الملكة". لكن هندرسون في تلك المرحلة كان تحدث بالفعل إلى الشاه.
وتداركا للخطأ، ردت سفارة الولايات المتحدة في لندن بأنها "لا (نكرر لا) تقترح إبلاغ البريطانيين بالحادث".
لكن هذا التدخل انتهى على الأرجح إلى المساعدة في دفع الشاه إلى البقاء في إيران لعدة أشهر أخرى، حتى أطلقت "سي آي إيه" المركزية الانقلاب.
وقال ألدريتش لـ"أسوشييتد برس": "من حيث نوع تسلسل الأحداث، فإن الأمر المهم -لأنه، كما تعلمون، وبصراحة، الشاه جبان- لا أعتقد أن انقلاب عام 1953 كان سيحدث لو هرب الشاه في ذلك الوقت. في هذه المرحلة، ليس هناك شك في أنه حزم حقائبه وكان في طريقه إلى المطار عندما حدث هذا التدخل".
غير أن هاتين البرقيتين اللتين تقران بالخطأ، الذي اكتشفه المؤرخون في المحفوظات الوطنية (الأرشيف القومي) في واشنطن، لا تظهران في إصدارات الخارجية الأميركية من المستندات لعام 2017، والتي يفترض أن تنشر كما هي كسجل كامل للتصرفات الأميركية.
الإصدار الأولي عام 1989، المتعلق بالسنوات المحيطة بانقلاب 1953 في إيران، محا الدور الأميركي في ذلك الانقلاب، وهذا أدى إلى استقالة المؤرخ المسؤول عن لجنة مراجعة وزارة الخارجية، وإقرار الكونغرس لقانون يتطلب إجراء مراجعة تاريخية أكثر موثوقية.
رغم ذلك، وبعد مرور أكثر من 56 عاما، ما زال المؤرخون يبذلون جهودا مضنية لاستخلاص وثائق حول الانقلاب من المخابرات المركزية الأميركية ووكالات حكومية أخرى.

(أسوشييتد برس)