خصوصية سوق العملات التونسية..الدولة تحتكر الصيرفة

خصوصية سوق العملات التونسية..الدولة تحتكر الصيرفة

11 مارس 2015
أحد الصرافين المخالفين بالقرب من بن قردان(خالد مشرقي/فرانس برس)
+ الخط -
الخيارات الاقتصادية المحافِظة للدولة التونسيّة منذ الاستقلال في منتصف القرن الماضي، ألقت بظلالها على سوق العملة لتكون تونس واحدة من الدول العربيّة القلائل التي تحتكر فيها الدولة هذا القطاع، والتي تخضع فيها تجارة العملة الصعبة إلى الرقابة الصارمة، إذ تم تأسيس الاقتصاد الوطني على أساس إخضاع المبادلات الماليّة إلى هيمنة الدولة والبنك المركزيّ التونسي وقطع الطريق على القطاع الخاصّ لولوج هذا المجال، عدا المصارف الخاصّة التي سمح لها بممارسة هذا النشاط بشكل محدود ومقنّن.
 

المشرف الأول
لفهم خصوصيات الحالة التونسيّة كان لـ "العربي الجديد" لقاء مع الخبير المصرفي أنيس عاشور الذّي أشار في مستهلّ حديثه إلى أنّ البنك المركزي التونسي يعتبر المشرف الأوّل والأساسيّ على سوق العملة في تونس، حيث يتحكّم هذا الأخير في الكتلة المالية المتداولة سواء من العملة المحليّة أو من العملة الصعبة، كما أنّ دور المصارف الخاصّة محدود للغاية في هذا المجال، إذ يقتصر دورها على تغيير العملة للحريف، وتحويل العملات الصعبة إلى البنك المركزيّ لتنال في ما بعد حصّتها من حجم المعاملات من هامش الفرق في سعر التداول الجملي.

أمّا بالنسبة للأفراد العاديّين والمستثمرين، فعمليات بيع وشراء العملة الصعبة تتمّ عبر المصارف الخاصّة والحكوميّة، وبعد موافقة البنك المركزيّ.
ليستطرد قائلا إنّه وبرغم أنّ عمليات البيع والشراء للعملات الأجنبيّة في تونس تبلغ سنويا 600 مليون دولار، حسب بلاغ البنك المركزي التونسي لسنة 2014، إلا أنّ الدولة ترفض تغيير هذه المنظومة وفتح المجال أمام القطاع الخاص لدخول هذا القطاع الذّي قد يؤدّي تحريره إلى مضاعفة حجم المعاملات. إذ تنصّ المنظومة القانونيّة التونسيّة على اعتبار المتاجرة بالعملة الصعبة، والقيام بعمليات البيع والشراء خارج الإطار المحدّد عبر البنك المركزيّ التونسيّ جريمة قانونيّة تصل عقوبتها السجن لمدّة عشرين سنة.

محاولة تحرير سوق الصيرفة
يضيف عاشور، أنّ الحكومات المتعاقبة بعد ثورة يناير/كانون الثاني تحاول العمل على تعديل هذا القانون وتوسيع هامش الحريّة في سوق الصيرفة، وذلك بعد تنامي ظاهرة السوق السوداء للعملة خصوصا في المناطق الحدوديّة. إذ أعدّت لجنة الماليّة في المجلس الوطني التأسيسي التونسي مقترحات بخصوص تمكين القطاع الخاص من فتح مكاتب وشركات للصيرفة، تكون بديلا عن نقاط التصريف السوداء التي تكبّد الدولة خسائر كبيرة، وتمكّن في نفس الوقت من مراقبة سوق العملة والاستفادة من عمليات الصرف وحصر المبالغ التي يتم جلبها أو إخراجها من تونس عبر قنوات شرعيّة وقانونيّة.
وأكد أنه بالإضافة إلى هذه المكاتب فإن المصارف ستواصل نشاطها المعتاد في صرف العملة، مضيفاً أنه حان الوقت للسماح للتونسيين المقيمين في تونس بأن تكون لهم حسابات ادخار بالعملة الصعبة.
الحديث عن وجود سوق سوداء للعملة، دفعنا لمزيد البحث والتقصّي حول هذا الموضوع، ولفهم طبيعة هذه السوق وحجم معاملاتها كان لـ "العربي الجديد" لقاء ثان بالخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي الذّي أكّد وجود مثل هذه السوق، وخصوصا في المناطق الحدوديّة الجنوبيّة من البلاد. عاصمة السوق السوداء هذه هي مدينة بن قردان التي تمثّل المعبر الحدوديّ الرئيسيّ مع ليبيا، حيث تنتصب سوق مالية عشوائية لها قوانينها وآليات عملها الخاصة، ويتأثر فيها سعر الجنيه الليبي، والدولار، واليورو، والدينار التونسي بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد مثل أي سوق مالية في العالم.

ليضيف ياسين أنّ مئات من العائلات في بن قردان الواقعة جنوب شرقي تونس، تعيش على ريع هذه السوق التي يطلق عليها اسم "وول ستريت بن قردان"، والتي تعمل على مدار الـ24 ساعة مستقبلة يوميا آلاف الراغبين في تغيير العملة.
أمّا عن ارتدادات هذه السوق السوداء على الاقتصاد المحليّ، فيعلّق قائلا إن رقابة الدولة معدومة خلافاً للمعاملات الأخرى التي تكون عليها المصارف التونسية، من خلال جملة من القوانين تنظم القطاع وتستند أساساً إلى ثنائية العرض والطلب الذي مهما كانت نتائجه يحاول البنك المركزي التونسي إقامة نظام تعديلي عليه، وهو ما يحرم الدولة من الأداءات التي قد تدخل إلي حساب الميزانية التونسية من وراء هذه المعاملات غير المكشوفة.

إقرأ أيضا: مستثمرات اليمن يتحدين واقعهن بالمثابرة

المساهمون