خريف فنّاني البوب... رحيل على وقع أجراس الميلاد

خريف فنّاني البوب... رحيل على وقع أجراس الميلاد

27 ديسمبر 2019
كانت أغنية Last Christmas تحتلّ الصدارة في بريطانيا (Getty)
+ الخط -
تتخلّل أيام الكريسماس أغاني البوب الشهيرة في الحانات والمراقص والملاهي الليليّة. تطغى الكلاسيكيات على أجواء نهاية العام، إلى جوار الثلوج والنبيذ والأشجار المزينة بالأضواء، والرجال والنسوة الذين يرتدون ملابس "سانتا كلوز"، وغالباً ما تأتي كخلفية موسيقية لأفلام آخر العام في السينما، ولفتح الهدايا وقراءة بطاقات المعايدة في البيوت. تختلط عبارات التهنئة بالتعبير عن مشاعر الحب على طريقة أغنية Merry Christmas, I Love You. لكن من منّا يُدرك أنه كان يرقص على أغاني فنانين يُصادف يوم الخامس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول ذكرى رحيلهم؟

جورج مايكل
في أحد مشاهد الفيلم الموسيقي La La Land (إخراج داميان تشازيل - 2016)، تنادي ميا (إيما ستون) على سيباستيان (ريان غوسلينغ) بالقول: "جورج مايكل"، فيلتفت إليها عازف الجاز الشاب فوراً دوناً عن الجميع. مشهد ذكي للغاية، كونه جاء مباشرةً بعد مشهد حوار بين ميا وسيباستيان، تسخر فيه الأولى من إصرار الأخير على كونه "موسيقياً جاداً"؛ إنها حقاً سمة المغني البريطاني جورج مايكل الذي سعى طويلاً إلى أن تكون موسيقاه أكثر جديّة - بصرف النظر عن المردود المادي والأرباح الهائلة التي حققها منذ بداية مسيرته الفنية.
كان هذا المشهد سيبدو دعابة ظريفة وذكية/ لولا أن عرض الفيلم تزامن مع نبأ رحيل الفنان البريطاني جورج مايكل، في فراشه عن 53 عاماً، ما جعل "العالم في حالة صدمة"، وفق تعبير جريدة "ذا ميرور" البريطانيّة. هذا التزامن أدى إلى استحضار أغنية Last Christmas التي أداها جورج مايكل عندما كان عضواً في الثنائي Wham! مع مواطنه أندرو ريدجّلي، عام 1984، وأصبحت منذ ذلك الحين واحدة من أشهر أغاني البوب في المملكة المتحدة. قبل أن يصدر الشهر الماضي فيلم مستوحى من الأغنية ويحمل اسمها (من إخراج بول فيغ) يحوي أغنية This Is How التي لم تذع من قبل، سجلها مايكل في العام السابق لرحيله.
تهافت محبّو مايكل المتعطشون لسماع صوته مرة أخرى على الدخول إلى الفيلم الذي ترتكز معظم موسيقاه التصويريّة على أغانيه، محققاً بذلك أرقاماً كبيرة في شباك بيع التذاكر؛ مع هذا لم ينل الفيلم استحسان النقاد بسبب قصته السيئة، رغم الإشادة بالربط الموسيقي المثير بين أحداث الفيلم والموسيقى التصويريّة المأخوذة عن اثنتي عشرة أغنية من أغاني مايكل.
على مدار سنوات طويلة، كانت الـLast Christmas أغنية عيد الميلاد المفضلة عند البريطانيين، قبل أن تخسر الصدارة سنة 2012، لصالح أغنية Fairytale of New York لفرقة The Pogues. الأغنية المقتبسة عن رواية بنفس الاسم للكاتب الأميركي الإيرلندي جي. بيه. دونليفي، حافظت إلى يومنا هذا على صدارتها في استطلاعات الرأي منذ ذاك الحين. المفارقة، كما تشير معظم الصحف البريطانيّة باستمرار، هي أن المغني الرئيسي للفرقة شين ماكغوان وُلد في الـ25 من ديسمبر/ كانون الأول. هكذا، يُكرم الكريسماس ماكغوان مرتين، على المستوى الشخصي والفني، فيما يلتهم الآخرين في نفس اليوم!
جيمس براون ودين مارتن
ليس صاحب "الهمس المهمل" المغني الوحيد الذي رحل في الساعات الأولى من ليلة عيد الميلاد؛ سبقه إلى ذلك جيمس براون عام 2006. كان "السيد ديناميت" قليل الشّكوى، يأتي على نفسه رغم المرض، وواثقاً بشكل كبير حتى آخر لحظات حياته بأن شفاءه مجرد مسألة وقت كي يخرج ويؤدي عروضه الخاصة برأس السنة - على الأقل في ليلة عيد الميلاد حيث كلّ الأشياء ينبغي أن تكون سعيدة ومُشرِقة، كما يَفترض ذلك في إحدى أغانيه. بخلاف مايكل الذي كان إنتاجه محدوداً بشكل عام، أصدر براون في الستينيات ثلاثة ألبومات خاصة بعيد الميلاد، إلى جوار أغانٍ فردية عن العيد في السنوات اللاحقة. خلال نفس الفترة، كان دين مارتن يصدر ألبوماته الخاصة بعيد الميلاد، قبل أن يرحل هو الآخر في ليلة عيد الميلاد. غنى مارتن ما لا يقل عن 45 أغنية للكريسماس، وكان يستعد للعودة إلى إحياء حفلة رأس السنة في ميدان نيويورك تايمز، لكن دخوله إلى المستشفى بسبب حبّه الأبدي للسجائر، أنهى مسيرة "ملك الكول". عند مارتن ليست موسيقى الكريسماس مجرد ثيمة مميزة في مسيرته، بل كانت – دوناً عن جميع أغانيه – حلقة الوصل مع والديه.
إيرثا كيت
إيرثا كيت التي صارت تُعرف تلقب باسم Santa Baby، نسبةً إلى أغنيتها الشهيرة سنة 1953، رحلت هي الأخرى في 25 ديسمبر. الأغنية التي تعالج أسطورة سانتا كلوز بشكل مثير: "أنا حقاً أؤمن بك، دعنا الآن نرى إذا كنت أنت تؤمن بي؟"، كثيراً ما نُسبت إلى مارلين مونرو كمثال واضح على "العديد من الحالات التي يحصل فيها فنان أبيض على الفضل على حساب مغنٍّ أسود"، كما أشارت مجلة "ذا نيويوركر" يوم الثلاثاء الماضي. وفاة شخص، في مناسبة ما، تحوّل الاحتفال إلى ذكرى حزينة، على طريقة شخصية تشاندلر بينغ في مسلسل Friends. هكذا، أصبحت ذكرى رحيل الفنانين الأربعة عبارة عن مُثبِّط في احتفالات عيد الميلاد، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين كانوا من الجمهور الأكثر حماسة لهذه الأيقونات.
تقرير "ذا ميرور" يذكر أيضاً أن كلّاً من شارلي شابلن، وفيك تشيسنوت، وبيتر جيفري، بالإضافة إلى أوريل ستودولا ودبليو. سي. فيلدس في الأربعينيات، رحلوا أيضاً في ليلة عيد الميلاد. الآن، وقد عرفنا ذكرى رحيل هؤلاء، لعلّنا سنتذكّرهم أكثر في هذه الأجواء الصاخبة؛ سنرثيهم بما يليق بالبهجة التي أضفوها على عيد الميلاد، أو من خلال محاكاة رقصة جيمس براون الشهيرة في Soulful Christmas التي قيل إنها أثرت في حركات ورقصات مايكل جاكسون بشكل كبير لاحقاً. كما يمكننا الآن الإجابة بكل سهولة عن السؤال الذي طرحته "غارديان" البريطانية، السبت الماضي، خلال "اختبار نهاية الأسبوع": ما الرابط بين دين مارتن وشارلي شابلن وجيمس براون وإيرثا كيت وجورج مايكل؟
لقد كانوا جميعاً، بما في ذلك شارلي شابلن، في رحيلهم يطبقون بشكل حرفي نصيحة تشارلز بوكوفسكي المجنونة: "ابحث عمّا تحبّ ودعه يقتلك". هكذا ماتوا جميعاً، بشكل كرونولوجي، عبر السنوات، على وقع أجراس عيد الميلاد.

دلالات

المساهمون