خريف الخريف

خريف الخريف

19 أكتوبر 2016

بهجة في الرباط بفوز حزب العدالة والتنمية (8/10/2016/فرانس برس)

+ الخط -
عاد إسلاميو المغرب إلى الحكم، بعد أن ظنّ كثيرون أن الربيع العربي الذي صعد هولاء على ظهره للحكومة قبل خمس سنوات انتهى أمره. عاد حزب العدالة والتنمية في المغرب لتصدّر نتائج الانتخابات مؤشّراً على أن الخريف الذي ضرب العالم العربي ليس قدراً، فالذي في مأزق كبير اليوم هو الخريف العربي، وليس الربيع الذي مازال قادراً على يزهر في أكثر من بلد، على الرغم من الضربات التي وجهت له، فالعسكر أطاح رئيساً منتخباً في مصر، لكن الجنرال أخذ البلاد رهينةً، وهي تغرق كل يوم في أزمة جديدة. ورفض نظام الأسد التنازل لمواطنيه ببعض الإصلاحات، ويسلم الآن البلاد كلها لروسيا وإيران، وأصبح الأسد مجرّد ديكور في دمشق، واليمن الذي أجهض فيه علي عبد الله صالح الحراك بتواطؤ الجيران يقلق الآن الجميع، وقد تحوّل برميل بارود. وهكذا لم ينج من الفوضى سوى المغرب وتونس اللتين تعايشتا بهذا الشكل مع موجة الربيع العربي.
فتح أكثر من مليون و800 ألف مغربي (ثلث المصوّتين تقريبا في اقتراع 7 أكتوبر) الباب أمام رئيس الحكومة المنتهية ولايته، عبد الإله بنكيران، لمواصلة تجربة (الإصلاح في ظل الاستقرار) وتشكيل فريق وزاري جديد يقوده حزب إسلامي معتدل، في وقتٍ كان خصوم التحول الديمقراطي في الداخل والخارج ينتظرون سقوط حزب العدالة والتنمية، وصعود حزب السلطة ممثلا في "الأصالة والمعاصرة"، لكن المواطن كانت له وجهة نظر أخرى، فعلى الرغم من كل المؤامرات التي نسجت لإطاحةٍ ناعمة بالحزب، صوّت الناخبون بكثافة لصالحه، ولولا نظام الاقتراع، واستعمال المال السياسي يوم الاقتراع، وتجييش وسائل الإعلام التابعة للدولة العميقة ضد المصباح، لحصل الأخير على الأغلبية المطلقة. لكن، ولأن الملك محمد السادس كلّف بنكيران بتشكيل حكومةٍ جديدة 48 ساعة فقط بعد ظهور نتائج الاقتراع.
اختار المغاربة أن يصوّتوا سياسياً وليس برنامجياً، وأن يدلوا بأصواتهم لتخفيف الضغط عليهم، وليس من أجل إنجازات الحكومة، ولا برنامج الحزب الذي يقودها. إنها واحدةٌ من المرات القليلة التي يضحّي فيها شعب بنسبة النمو، ومعدّل البطالة، ومستوى الدخل، وجودة التعليم، ومستوى الرعاية الصحية... وهذا كله من أجل أن يختار حزباً يعتقد أنه سيقف في وجه الفساد والاستبداد والسلطوية، ولو بالكلام والصراخ. يقول أستاذ العلوم السياسية محمد مدني: برز واضحاً من نتائج الاقتراع أن فئات وسطى تعيش في الحواضر الكبرى، تعطي للديمقراطية، ولتوسيع المجال السياسي، أهمية قصوى في سلوكها الانتخابي، وربما تجعل منها أولوية على حساب السياسات العمومية، وعلى حساب المطالب المعيشية. كان الحافز لدى من صوّت لـ "العدالة والتنمية" هو توسيع المجال الديمقراطي. ولهذا، عاقب أحزاباً أخرى، لا تعطي أهمية لهذا المطلب أو تقف ضده.
تتقدّم المجتمعات الحديثة عندما تصبح الديمقراطية عندها مبدأ، وليس فقط نظام حكم، وتتطوّر عندما يصير لها حس سياسي، يتجاوز الظاهر إلى عمق الأمور. والسلوك الانتخابي للمغاربة، أخيراً، مؤشر على عودة الاهتمام بالمسألة الديمقراطية في الشارع العربي، بعد تراجع هذا الهم على قائمة انتظارات العرب، وتقدّم عليه مطلب الأمن والخبز في السنوات الأخيرة، كما ظهر ذلك بجلاء في الموشر العربي لقياس اتجاهات الرأي العام، (ينجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، فأن يحصل حزبٌ سياسيٌّ ذو حساسية إسلامية على المركز الأول في اقتراع شبه مفتوح، من دون أن تكون الحكومة التي قادها، قبل خمس سنوات، قد حققت إنجازات اقتصادية واجتماعية كبيرة. وعلى الرغم من جو التخويف الذي ساد من سقوط البلاد في مصير النموذج السوري! فهذا معناه أن جزءاً مهماً من الناخبين بدأ يصوّت سياسياً، وبدا يربط بين شكل الحكم ونوع الحياة التي يعيش وسطها، وهو لا يربط فقط بين الاثنين، بل هو مستعد للصبر على حاجياته المعيشية، لكنه لا يصبر على حريته وعلى حقه في أن يختار من يحكم وكيف يحكم.
كتبت صحيفة واشنطن بوست، في تفسير فوز "العدالة والتنمية" بصدارة الاقتراع إنه يعود إلى عوامل، أولها ميل الحزب الإسلامي إلى تبني نهج براغماتي شبه علماني في العمل السياسي، وابتعاده عن الإيديولوجيا الدينية، هذه الصيغة في العمل السياسي التي يتبناها الحزب في المغرب تشير إلى بروز تيارٍ جديدٍ داخل حركة الإسلام السياسي، يفصل بشكل صريح بين الدين والدولة.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.