ختان الفتيات... أميركيات لا يسلمنَ من تلك الممارسة

ختان الفتيات... أميركيات لا يسلمنَ من تلك الممارسة

02 يونيو 2017
متى تدرك ما ارتُكب بحقها؟ (سافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -
ألقت السلطات الأميركية في أبريل/ نيسان الماضي القبض على طبيبة هندية مسلمة تدعى جومانة ناجارولا بتهمة إجراء عمليات ختان لفتيات صغيرات في السابعة من عمرهنّ في منطقة ديترويت في ولاية ميشيغان الأميركية. وبعد فترة قصيرة، ألقت القبض كذلك على طبيب آخر هو فخر الدين العطار وكذلك زوجته، لأنّهما ساعدا وساهما عن طريق المركز الطبي الذي يملكانه في إجراء عمليات ختان لفتيات طفلات.

حالات الختان هذه ليست منفردة ولا تقتصر على أتباع ديانة معيّنة وليس لها جذور دينية في أيّ من الديانات التوحيدية، بل هي عادات محلية في الغالب يدعمها رجال دين من مختلف الديانات. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى 200 مليون امرأة في العالم تعرّضنَ للختان، ومنهنّ نساء في دول عربية كمصر حيث الظاهرة واسعة الانتشار. بالإضافة إلى المشاكل النفسية التي قد يتسبّب فيها الختان، هو يؤدّي إلى مجموعة من المشاكل الصحية. وتُسجَّل حالات عدّة تعرّضت خلالها الفتيات إلى نزيف مستمر، الأمر الذي أدّى إلى وفاتهنّ، فيما قد تتسبب تلك الممارسات بتعقيدات صحية لاحقاً عند الإنجاب.

سلّط إلقاء القبض على الطبيبة في ديترويت الضوء مجدداً على الموضوع داخل الولايات المتحدة الأميركية، لا سيّما أنّها القضيّة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية التي توجّه خلالها اتهامات بتشويه أعضاء تناسلية لفتيات، منذ تجريم ختان الإناث في البلاد في عام 1996. وراحت تُطرَح الأسئلة حول مدى انتشار هذه الظاهرة في البلاد.

وكانت دراسة للمركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها نُشرت قبل فترة، قد خلصت إلى أنّ أكثر من نصف مليون امرأة في الولايات المتحدة تعرّضنَ للختان، غير أنّ العاملة الاجتماعية والكاتبة ماريا طاهر تشكّك في دقّة هذه الأرقام. بحسب تقديرات طاهر، فإنّ "الأرقام أعلى من ذلك"، وتشير إلى أنّ "الدراسة ترتكز على تقديرات تتعلق برصد الدول التي يتحدّر منها لمهاجرون إلى الولايات المتحدة والتي تمارس تلك العادات". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "المشكلة في تلك التقديرات التي تعتمد على دراسات للأمم المتحدة، هي أنّها لا تشمل بالضرورة كل الدول التي يمارَس بها الختان". تضيف أنّ "ثمّة نساء لسنَ من أصول مهاجرة، بل أميركيات بيض تحدّثنَ عن تعرّضهنّ قبل عقود لتلك الممارسات. ففي العام الماضي على سبيل المثال، تحدّثت امرأة أميركية عن الموضوع إذ كشفت أنّها تعرّضت وهي طفلة لتلك العملية. وتلك المرأة هي من وسط جنوب الولايات المتحدة وطبيبها كان مسيحياً متديناً. وقد حدث ذلك إذ إنّ والدتها خافت عليها من عدم الاحتشام". وتلفت طاهر كذلك إلى أنّ ذلك "كان يُمارَس في الولايات المتحدة وأوروبا في الماضي، اعتقاداً بأنّه يشفي من الأمراض النفسية ومن المثلية الجنسية".



تجدر الإشارة إلى أنّ طاهر من أصول هندية مسلمة وقد تعرّضت هي لعمليّة الختان عندما كانت طفلة. وعن تلك التجربة تقول: "لا أذكر كل التفاصيل. كنت في السابعة من عمري وكنّا في زيارتنا السنوية إلى الهند، فأنا ولدت في الولايات المتحدة الأميركية. أخذتني أمي إلى منطقة يسكن في معظمها أبناء طائفتنا في مومباي، وهي الطائفة الإسماعيلية. أذكر أنّنا دخلنا إلى إحدى البنايات. كانت الأجواء هادئة، وكانت هناك نساء وضعنني على الأرض قبل أن ينزلنَ سروالي وثمّ يضربنني بشيء حاد على أعضائي التناسلية". تضيف: "لا أذكر كل التفاصيل. أذكر أنّني بدأت بالبكاء وأنهنّ حاولنَ مواساتي. لم يخطر في بالي كطفلة أنّ ثمّة أمراً سيئاً في الأمر. فأنا كنت مع والدتي، لذا لم أعطِ الموضوع حجمه".

وتتابع طاهر: "عندما كنت في المدرسة وبعدها في الجامعة، تناولنا في مجال العلوم الاجتماعية هذا الموضوع. لكنّ المقالات والدراسات كانت تشير إلى أفريقيا فحسب. وبدأت أعي أكثر ما حدث معي. كذلك تحدثّت مع فتيات أخريات من مجموعتي عن الموضوع". وتؤكّد أنّ "تجارب النساء تختلف في هذا المجال. شخصياً لم أشعر بغضب في البداية، لكنّني لاحقاً عندما استوعبت ما حدث، أدركت أنّ ذلك هو عنف جندري وخرق لحقوقي كإنسانة".

من هنا، اتخذت طاهر قرارها بالتركيز خلال دراستها للعلوم الاجتماعية على الموضوع، فراحت تبحث فيه وتحاول معرفة الأسباب التي تدفع الجاليات المهاجرة المختلفة إلى الاستمرار في ممارسة هذه العادات بعد تركها وطنها الأم، لا سيّما أنّ ثمّة قوانين وُضعت لتجريم هذه الممارسات. وتقول في هذا السياق إنّ "ثمّة عوامل عدّة تؤدّي دوراً في ذلك. والتعامل مع هذا الموضوع بهدف حلّه لا بدّ من أن يكون شاملاً. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عُقد مؤتمر في محاولة لإيجاد طرق للقضاء على هذه الممارسات في الولايات المتحدة، شاركت فيه وزارات أميركية مختلفة وجمعيات غير حكومية تعمل في هذا المجال وكذلك إعلاميون وأشخاص من المجال الطبي والقانون وممثلون عن مؤسسات دينية وغيرها".

تضيف طاهر: "إذا أخذنا طائفتي مثالاً، هي تُعَدّ من الجاليات ذات المستوى التعليمي العالي وكذلك الاقتصادي. لكنّها طائفة صغيرة متماسكة، الأمر الذي يعني أنّ لرجال الدين سلطة عليها. وللأسف، يؤيّد رجال الدين فيها ختان الفتيات، وهو ما يجعل أشخاصاً مؤمنين لا يعرفون دينهم جيّداً، على الرغم من أنّهم متعلمون، يصدّقون رجال الدين ويعتقدون أنّ ما يقوله هؤلاء صحيح وأنّ دينهم يفرض عليهم تلك الممارسات".

إلى ذلك، تقول طاهر إنّه "بعد القبض على الطبيبة، يزداد الخوف بين الأهالي، ظناً منهم أنّ الدولة قد تأخذ أولادهم بعيداً عنهم. لذلك من الضروري أن يكون العمل على وقف تلك الممارسات مشتركاً من قبل أكثر من جهة وبالتعاون بعضها مع بعض".

يُذكر أنّ السلطات الأميركية وضعت خطة عمل لثلاثة أعوام ورصدت الأموال من أجل دعم الجهود في هذا الاتجاه، بما فيها توعية العاملين في مجال الخدمات العامة، خصوصاً الصحية والاجتماعية والقانونية".
وتتحدّث طاهر عن دراسة أعدّتها مع العاملات الاجتماعيات في الجمعية التي أسستها، شملت 400 امرأة. فتشير إلى "واحدة من النتائج المثيرة وهي أنّ 80 في المائة من النساء اللواتي جرى استطلاعهنّ، قلنَ إنهنّ يرغبنَ في وقف تلك الممارسات الشنيعة ضدّ بناتهنّ".

المساهمون