خبزٌ مُرّ ووحيدٌ ومُتنازع عليه

خبزٌ مُرّ ووحيدٌ ومُتنازع عليه

27 يوليو 2020
راؤول غوميس خاتين
+ الخط -

عمّا أكون

في هذا الجسد
الذي يحلُّ فيه ليلُ الحياة
أعيش أنا
بطنٌ ليّنٌ ورأسٌ أصلع
أسنان قليلة
وأنا في الداخل
كمُدان
أنا في الداخل عاشق
وعجوز
أُفسّر ألمي بالشّعر

والنتيجة مؤلمة بشكل خاص
أصوات تعلن: ها هي كآباتك مقبلةٌ
أصوات منكسرة: لقد مرّت أيامُك.

الشّعر هو الرفيق الوحيد
اعتد سكاكينه،
فهو الوحيد.


■ ■ ■


لوحة شخصية

إن أردت أن تعرف عن راؤول
الذي يسكن هذه السجون
فاقرأ هذه الأبيات 
المولودة من رَحِم الخراب
قصائد مريرة
قصائد بسيطة وحالمة
نمَت كما ينمو العشب
بين أرصفة الشوارع.


■ ■ ■


تعويذة

يقول سكّان قريتي
إنني رجل
مهين وخَطِر،
ولم يجانبهم الصواب.

مهينًا وخطرًا
هذا ما صنع منّي الشّعرُ والحبُ.

سادتي السكّان
على مهلكم
فإنني بي فحسب
اعتدت أن أُلحق الأذى.


■ ■ ■


هم وكائني المجهول

راؤول غوميس خاتين هو كل أصدقائه
وراؤول غوميس لا أحد حين يمر
حين يمر كلُّهم يكونون كُلَّهم
إنني لا أحد   إنني لا أحد
ما الذي يجعل هؤلاء الناس يحبون شخصي؟
إن كان راؤول لا أحد، أفكّر
إن كانت حياتي اجتماعًا لهم
يمرّون بمركزها ويأخذون ألمي
هل لأنني أحبهم؟
ألأن قلبي موزع بينهم؟
هكذا يعيش فيهم راؤول غوميس
باكيًا ضاحكًا وأحيانا مبستمًا
وأنا هم وأنا أحيانًا أيضًا أنا.


■ ■ ■


وحدة راؤول غوميس خاتين

لا أعلم أين ستحرق الآن يا قلبي
أحتاج أن أسلمك دائمًا كعبد، يا لك من مسكين
من العاجل أن تمرض مرة أخرى ومرة أخرى

ماذا سأفعل بك هناك فارغًا
كعضو بيولوجي غبيّ.
هيّا تخلّص من ثقلِك، وابدأ الرحلة.
ماذا تقترح عليك اللحظة؟ أتعجبك تلك النظرة
المُسنّة والمهتمة لابنة عمك الجميلة؟
اذهب وحدِّثها عن زمنٍ بكت فيه دون سبب
أو حين تبوّلت في سروالها الداخلي من الضحك

أو أفضل أن تجوب حقلك وتزرع شجرة مترفة
أو خذ خيط دبارة ومطواة
واصنع طائرة ورقية وارفع معها وحدتك حتى الغيوم
لا لا يريد كلانا يا صديقي أن يفعل شيئًا من هذا.

نريد أن نستلقي من جديد على البطن الذي نحب
لكن تلك الأوقات مرّت  
وجسدهُ ورغبتهُ
يتجولان بين سينمات وبارات المدينة
محمومين وراء أجساد أخرى ورغبات أخرى
ولا شيء في هذا، إنها حياته دوننا
لديه الحق أيضًا في لذّة حرّة
القمر وحده هناك ولا يموت
وحدها الريح
وأنت تملكني
وتملك سيّدَتَنا؛ وحدةَ غوميس خاتين.


■ ■ ■


طائر

أملك في رأسي
طائرًا سماويًّا
يتّخذ له من هذا السجن عُشًّا.
لي في هذا الطائر
قلبٌ ملتهب.
أملك في ذلك القلب
أملًا هشًّا
أن أطير نحو الرب.


■ ■ ■


النمر

كقوة جبلية
في ركن مظلم
تترصّد لنا الطفولة.
وهكذا النمر – يا مارتا كريستينا إيسابيل-
النمر الذي يطلّ من عينيكِ
قفز محطِّمًا سنواتٍ
وطرحني -على وجهي- فوق صباي.
أحلام يوم ما متسلقةً درجات سلّم الخلود:
كنتِ تأتين في الشمس وأنا كنتُ طينًا حزينًا
كنتِ أخبارًا عن الكون وأنا كنتُ جاهلًا.
الأعوامُ يا مارتا - بِحِمْل الحجارة المدبّبة الذي لها -
فرَّقتنا
اليوم أقول لك إنني أؤمن بالماضي
كنقطة وصول.


■ ■ ■


سجن

التفكير أنني هنا
أكثر إيلامًا من وجودي
لأن فكري
سيكون حرًا دائمًا
هنا في قصائدي
وجسدي السّجين
ما يزال في طيران الفراشة
حين أتجه إلى الشمس
وأبتسم للربيع.


■ ■ ■


طائر 2

في المصحة النفسية
أعيش قطعة من حياتي
هنا أستيقظ مع الشمس
وفي هذه الأثناء أكتب
ألمي وكربي
دون آلام أو كروب
ترنّح الروح
التي يلمع فيها قلبي كفراشة
وينطفئ كطائر
حين يدرك القضبان
التي تحبسه.


■ ■ ■


الإله الذي يَعبُد

..
أنا إله في قريتي وواديّ
ليس لأنهم يعبدونني، بل لأنني أنا أفعل ذلك
لأنني أنحني أمام من يمنحني
بعض الرُمَّانات أو بسمة من إقطاعيّته
أو لأنني أذهب إلى حيث سكان القرية الأقوياء
لأتسوّل عملة أو قميصًا فيعطوني
لأنني أراقب السماء بعينيْ طائرٍ
وأسميها في أبياتي
لأنني وحيد
لأنني نمت ستة أشهر على كرسي متأرجح
وخمسةً على أرصفة المدينة
لأنني أنظر إلى الثروة نظرةً جانبية
لكن بلا كره
لأنني أحب من يحبني
لأنني أعرف أن أزرع البرتقال والخضروات
حتى في أشدّ الحرّ
لأن لي عرّابًا
عمّدتُ كل أبنائه 
لأنني لست طيبا بطريقة معروفة
لأنني أحب الطيور والمطر وطقسه غير المستقر
الذي يغسل روحي
لأنني وُلِدتُ في مايو
لأن أمي هجرتني حين كنت في أشد الحاجة إليها
لأنني حين أمرض
أذهب إلى المستشفى الخيري
لأنني فوق كل شيء
لا أحترم سوى من يحترمني
الذي يكسب كل يوم خبزًا مُرًّا ووحيدًا ومُتنازعًا عليه
كأبياتي هذه التي أسرقها من الموت.


■ ■ ■


من "كتاب الجنون" 

-1-

مُمدَّدٌ هو على الرصيف
روحه غائبة
ورهافة حسّه حاضرة
لا يستطيع أن يغمض جفنًا
وجهه على ظهر يده
يتظاهر بالحد الأدنى من الراحة
يمرُّ الناسُ في عرباتهم المسرعة
تلمع النجوم من أجل البائس

ماذا يفعل بتلك الليلة الفظيعة؟
محاولة النوم
نسيان العراء

قدماه تصدّان أحجارًا صغيرة
على فراشه العاري
تنغّصان راحته

هل سيأتي الشيطان الليلة
بحديثه الآسر؟
أم سيأتي المسيح ليعنّفه
قائلًا له إنه أسوأ إنسان في الكون؟


-2-

هناك فتية كثيرون حوله
يُقدّمون له فواكه وقهوة
أحدهم بيده جريدة ملونة
تلمع صورة على غلافه
تقول طفلة: "إنه حضرتك، صحيح؟"
ينظر إلى الصورة ذات البسمة المريرة
ثمة من يحتفلون بمنفاهم
يأخذ القهوة، ويعضّ المانجو
"نعم، هذا أنا"
يود لو يطلق خوارًا من العجز
في أعماق أعماقه يسمع هذه الكلمات:
"فنان ضعيف مسكين    مسكين فنان مسكين"
بهذه الصورة ربحنا ملايين المبيعات
بها مرّرنا حياتك.


* ترجمة عن الإسبانية: أحمد محسن غنيم


بطاقة
راؤول غوميس خاتين (Raúl Gómez Jattin) شاعر كولومبي وُلِد في مدينة كارتاخينا عام 1945 لأبٍ كولومبي وأم لبنانية الأصل. نشر ديوانه الأول بعنوان "قصائد" في السادسة والثلاثين ثم توالت دواوينه بعد ذلك، وأشهرها "مطلع الفجر في وادي نهر السينو". عاش أغلب حياته في قرية صغيرة تُدعى سيريتي، حيث أحب وكره على حد قوله. عاش خاتين حياة مأساوية وخصوصًا سنواته الأخيرة التي قضى الكثير منها بين المصحّات النفسية، حيث كتب كثيرًا من قصائد نشرت بعد وفاته بعنوان "كتاب الجنون". دخل السجن عام 1997، ويوم خروجه صدمته حافلة ومات، دون أن يُعرف إن كانت حادثة أم انتحارًا.  بيتُه الأشهر يقول: "كُنتُ كالعشب، ولم تُدخّنوني".

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون