خارج المذهب

خارج المذهب

25 أكتوبر 2016
ليس كلّ متعلّم مثقفاً (Getty)
+ الخط -
الأسبوع الماضي كان موعداً متجدداً مع أحد البرامج الحوارية التي تثير النعرات المذهبية، ولا تصل إلى أيّ نتيجة أبعد من ترسيخ الانقسام وتظهيره بوضوح أكبر.

يأتي ذلك على الرغم من أنّ أبواب "الدعوة" مقفلة في الغالب لدى مختلف الاتجاهات، خصوصاً في بلدان تقتات يومياً على المذهبية. يشرد أحياناً من يدخل في مذهب من المذاهب بهدف الزواج أو الإرث أو غير ذلك، لكنّ نسبة هؤلاء ضئيلة جداً لا تكاد تلاحَظ حتى في أدقّ الإحصائيات.

البرامج تلك تزعم طبعاً أنّها تسلّط الضوء على مشكلة معينة بهدف الإسهام في حلّها. تجمع متناقضات في الاستديو وآراء متضاربة حول العديد من الأمور. لكن، في هذه الحال، لا تحلّ المسائل العالقة بجلسة أو اثنتين أو حتى مائة. أساساً، هناك خلافات مستمرة منذ آلاف السنين... وفي الظاهر والباطن وأدلة الواقع التاريخي والاجتماعي بعيداً عن الرومانسية: لا مجال للحلّ. الواقع نفسه يشير إلى أنّ عرض تلك القضايا الجدلية خصوصاً المذهبية منها، إنّما يسعى فقط إلى زيادة أرباح المحطة من الإعلانات التي ترتفع أسعارها تبعاً لعدد مشاهديها الهائل كما كلّ شأن طائفي يتفاعل الجمهور معه عبر الشاشات الصغيرة أو عبر الإنترنت أو غير ذلك.

على هذا الأساس، ينقسم المجتمع بين من يشاهد هذه البرامج وبين من يقاطعها أو لا ينتبه إليها أساساً. وينقسم المشاهدون أنفسهم بين من يتطرّف في مذهبيته، ومن يحاول أن يروّج لخطاب اعتدال (غالباً ما يكون مجرد نفاق)، ومن يرفض الجميع في تطرّف مقابل لكلّ تطرّف أمامه. كذلك، هناك من يبرر وجود المذهبية بين "الجهلاء"، ويستنكر ويستغرب وجودها لدى "العارفين المثقفين الواعين الفهمانين".

على هذا الأساس، يسأل صاحب المقهى أحد زبائنه الثقة بعد إطلاعه على موقف حصل له مع زبون آخر يحترمه ويقدّره: "هل يعقل أنّ شخصاً متعلماً مثقفاً إلى هذا الحدّ يفكر أيضاً بمثل هذه الطريقة المذهبية؟". الموقف الذي حصل مع صاحب المقهى أنّ ذلك الزبون الذي يحترم "تغيّرَ لونه" عندما علم بمذهبه من خلال أسماء أبنائه.

لعلّ صاحب المقهى لا يعرف الكثير من الفروق بين "متعلّم" و"مثقف"، وبين "مثقف" و"مثقف". كذلك، هو لا يعرف ما "المعقول" وما "غير المعقول". نعم، قد يكون ما هو معقول لنا غير معقول لبعضنا. فكرة المعقول نفسها تمتزج بتعريف الفكر الإنساني سواء لدى "المثقف" أو غيره في مقولة السوسيولوجي العراقي الراحل علي الوردي في كتابه "وعّاظ السلاطين": "كلّ إنسان على عقله إطار يحدّ من تفكيره. والإنسان لا يستطيع أن يرى شيئاً إلاّ إذا كان ذلك الشيء واقعاً في مجال هذا الإطار". إذاً، فإطار "المثقف" قد يكون ضيقاً أيضاً، ولا يسع ما هو خارج مذهبه.

المساهمون