خارج الصندوق

خارج الصندوق

22 يناير 2016
تبذل النساء جهداً مضاعفاً لإثبات الذات (Getty)
+ الخط -

قد يكون مطعم أبو أحمد في بيروت شهيراً. لمن لا يعرفه، هو أحد المطاعم الشعبية التي تقدم ساندويشات الكفتة والشاورما وغيرها. أبو أحمد قرر أن يطلق على السندويش بجانب واحد من الرغيف اسماً "ستاتياً". إصطلح على التسمية مع زبائنه. لا يحتاج الزبون إلى أكثر من طلب "شاورما ستاتي" مثلاً حتى يهم بتحضير الطلبية. بالمقابل، هناك الساندويش "الرجالي".

حدثت هذه الرواية أمام مجموعة من الأصدقاء، وأضحكت الجميع. ثمة امرأتان في المجموعة لم تتجاوبا فعلياً مع الرواية ولم تجدا حساً للفكاهة فيها. بالنسبة للمجموعة هاتان السيدتان هما "منغّصتا" المجموعة. دائماً متأهبتان لانتقاد أي جملة أو فعل أو مبادرة فيها تمييز جندري ولو كان إيجابياً. هما إذاً نكدتان بالنسبة للأصدقاء، وقد تتلافى المجموعة الخروج معهما لإبقاء الأجواء "لايت" بغيابهما.

في حديث جمع إحدى هاتين السيدتين مع واحدة من زميلاتها في العمل، سألتها الأخيرة، "جبتِ بنت؟". فهمت صاحبتنا المغزى من السؤال، لكنها قررت الاستغباء وأجابت بالنفي. صحّحت لها الزميلة: "أقصد خادمة أجنبية". واستطردت: "من وين جبتيها؟". بدأت درجة الغضب بالتصاعد. لم يكن من صاحبتنا إلا إنهاء الحديث مع الزميلة، بعد أن قدمت لها محاضرة حول "اللغة التمييزية العمياء والعنصرية والمتعالية بحق العاملات الأجنبيات".

المدافعة المستمرة عن حقوق النساء ليست وظيفة تنتهي بانتهاء الدوام. هي نمط حياة، لكنه مكلف. أن نسمع ونطنّش (أو ربما ننساق) مع الذين يستخدمون تعابير أو مواقف صارخة بالتمييز وبانتهاك الكرامة الإنسانية ربما يضعنا في خانة "الكول". القفز إلى الناحية الأخرى من المعادلة هو الاستنفار الدائم أمام أي أو كل تعبير أو مزحة يعمل على إقصاء صاحبه/صاحبته. لا يتوقف نمط الحياة هذا على ردة الفعل (أمام السائد). هو عبارة عن فعل دائم، ومستمر. مراقبة ذاتية مستمرة لعدم الوقوع في الصندوق. تبذل النساء جهداً مضاعفاً لإثبات الذات والإقناع بأن راتبهن الشهري أو الترقية حق وليست منّة أو بحاجة لتقديم سجل يومي بإستحقاقهن هذا الحق.

هذا مجرد مثل على الجهود التي لا تنتهي في الحوار مع الذات والزوج والصاحب والابن والابنة إلخ. كذلك يبذل بعض الرجال جهداً مضاعفاً حين يقررون عدم الانصياع لـ"الصورة النمطية" للرجال ضمن إطار العلاقات العاطفية مثلاً أو إذا أرادوا الخروج من الصندوق في كثير من المواقف.

قد يكون العيش خارج الصندوق صعباً ومكلفاً، لكن الأمر يستحق.

*ناشطة نسوية

اقرأ أيضاً: أمور لا نتعلمها في المدارس

المساهمون