حَلْبُ البقرة وتَسمين الثور

حَلْبُ البقرة وتَسمين الثور

05 أكتوبر 2018
+ الخط -
عاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى حلب "البقرة" السعودية، وهذه المرة في حديث هاتفي مباشر مع العاهل السعودي، كشف عن فحواه قبل أيام، في تجمعين انتخابيين دعماً لمرشحي الحزب الجمهوري. وربما كشفت لغة جسد ترامب أكثر مما قاله وهو يصف، بحركات بهلوانية، أجواء المكالمة مع الملك سلمان، لينذر، "الملك الذي يحبّه"، أو يُهدّده، بأن "عليه دفع مزيد من ملياراته الكثيرة في مقابل حمايته، وإلا لن يبقى في حكمه أكثر من أسبوعين".
يطمع الكونغرس الأميركي كذلك بمزيد من حليب السعودية، من بوابة قانون جاستا، ورفع السرية عن وثائق حساسة تتعلق بهجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، تكشف تورّط مسؤولين سعوديين بدعم الهجمات ومنفذّيها. وقد يؤدّي ذلك إلى تغريم السعودية أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، لتعويض عائلات الضحايا والمصابين والمتضرّرين. وجه آخر من الابتزاز الأميركي للمملكة يجري في كواليس منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) حيث تُجبر واشنطن الرياض على رفع إنتاجها من أجل خفض الأسعار في الأسواق العالمية، بزعم الضغط على إيران، العدو المشترك، وحرمانها من موارد مالية ضخمة، من دون مراعاةٍ لما تتكبّده السعودية من خسائر، دفعت لوضع كثير من أحلام "رؤية 2030" على الرفّ، إلى حين ميسرة.
المثير ليس تفوهات راعي البقر الأميركي، أو تهديدات صنّاع القرار في واشنطن لابتزاز السعودية نظير حمايتها، وإنما المثير هو صمت ولاة الأمر في الرياض، كما صمت القبور. تلاشت مراجل وزير الخارجية، عادل الجبير، الذي واجه كندا بشدّة، لأن وزيرة خارجيتها، كريستينا فريلاند، ظنت واهمةً أن "السعودية جمهورية موز"، كما جاء في تصريحاتٍ للجبير. ثارت الكرامة السعودية بسبب "وقاحة" الوزيرة الكندية، أما تغريد ترامب على "تويتر"، وتصريحاته المُهينة والخارجة عن أصول اللياقة الدبلوماسية، فلم تثر أي رد فعل سعودي. سكت الجبير عن فظاظة ترامب، وبلع لسانه، وكأن "سيادة" بلاده التي تغنّى بها على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة تهاوت أمام سيد البيت الأبيض. أو كأن ما يصفه الجبير بـ "الخط الأحمر" سقط أمام ترامب وحاشيته. ولا ضير، أو ضرر هنا، أن تصبح المملكة "جمهورية موز" أو حتى "بقرة حلوب". صَمتَ الإعلام السعودي، وتبخرت نسور الذباب الإلكتروني، وكأن كلام الحق مُحرَّم على وزيرة الخارجية الكندية، ومُباح للرئيس الأميركي الخوض في "سيادة" المملكة، رهينة الحماية الأميركية.
في مفارقة أخرى لافتة، تحلب الإدارة الأميركية مليارات السعودية في مقابل حمايتها، ولا تتوقف عن إهانة المملكة وإذلالها بذلك. وفي المقابل، تدفع واشنطن المليارات لتأمين إسرائيل وتغويلها، من دون أي شكوى أو تذمر. أميركا التي سحبت 460 مليار دولار من السعودية، منذ زيارة ترامب اليتيمة إلى الرياض العام الماضي، أفردت في موازنتها المنتظر إقرارها في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مساعداتٍ سنويةً لإسرائيل للعقد المقبل، بقيمة 38 مليار دولار، 33 ملياراً من المساعدات الخارجية الدورية الأميركية، وخمسة مليارات من وزارة الدفاع مباشرة لتمويل مشاريع عسكرية مشتركة مع إسرائيل. وبحسب البيانات الصادرة عن دائرة المساعدات الأميركية، فإن إجمالي الدعم الحكومي والأهلي الذي قدّمته الولايات المتحدة لإسرائيل، منذ العام 1950 حتى 2017، بلغ نحو 270 مليار دولار. تدفع واشنطن كل هذه المليارات لحماية إسرائيل، وتعزيز تفوقها العسكري، ولم نسمع الرئيس ترامب يمنّن تل أبيب بعطاياه، بل يطلب رضاها، ويشد على يديّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مؤكّداً أن "الولايات المتحدة ستقف دائماً إلى جانب إسرائيل بنسبة 100%". وتهدّد مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بضرب كل من ينتقد إسرائيل بحذائها ذي الكعب العالي.
تذهب بعض المليارات التي يحلبها "الكاوبوي" من البقرة السعودية إلى تسمين الثور الإسرائيلي الهائج. ومع ذلك، لا تكفّ بعض الرؤوس السعودية "الساخنة" عن وصف واشنطن حليفا استراتيجيا، بل يزعم إمام الحرم المكي، عبد الرحمن السديس، "مؤمناً" أن السعودية وأميركا تقودان العالم، داعياً للسيد ترامب بالنصر.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.