Skip to main content
حول النزاع الحدودي السوداني المصري
لؤي عبد الرحمن (السودان)
"للأسف هناك جهل عام وحقيقي بمعرفة حدود مصر، وجهل بالتاريخ والحقائق، والجهل طال الطبقات المتعلمة التي يتوسم فيها الجميع كل الخير، بالإضافة إلى جهل سياسي في التعامل مع الأزمات التي تثار بشكل مفاجئ، وعلى المؤرخين أن يوضحوا التاريخ وأصل ملكية الأراضي لمنع تفاقم الأزمة بين الشعبين المصري والسعودي".
هذا ما قاله العالم المصري فاروق الباز لصحيفة الأهرام المصرية في 19 إبريل/ مارس الجاري، في رده على سؤال عن سبب الأزمة المثارة بسبب جزيرتي تيران وصنافير، حيث دعا المؤرخين المصريين لتقدم الصفوف وتقديم التاريخ للعامة وللطبقات المتعلمة، منعاً لتفاقم الأزمات بين الشعوب، وهي دعوة إيجابية، وتجد الاستحسان بالتأكيد، ولم يبخل العالم القدير بتوضيح سعودية الجزر مثار الاختلاف، حتى من الناحية الجيولوجية، وهو أمر لا يعنيني هنا. ما يعنيني أن المؤرخين مدعوون من الشارع والرأي العام السوداني للإدلاء بدلوهم أيضا في قضية حدودية أخرى قديمة ومتجددة، طرفها مصر أيضا، وهي لا تزال تشكل بؤرة توتر، يخفت صداها ويرتفع في العلاقات السودانية المصرية، وقد يؤدي تجاهلها إلى هوة واسعة بين الشعب السوداني والقيادة المصرية، وهي مثلث حلايب وشلاتين السوداني.
يعود سبب تطلع الرأي العام السوداني لرأي المؤرخين المصريين في القضية، وكيفية حلها، لأن المؤرخين الحقيقيين البعيدين عن أهواء السياسة ونزواتها هم من يستطيعوا الحسم في قضية النزاع الحدودي بين البلدين، ولأن النزاع بين بلدين جارين وشقيقين لا يمكنهما الفكاك من التاريخ والمصير المشترك، ولأن رأي النخبة السياسية المصرية مع أجهزة إعلامها اختصره الباز بما معناه الجهل بالتاريخ والحقائق وبعدم معرفة حدود مصر، وهو ما يفسر هزال بيان وزارة الخارجية المصرية في ردها على نظيرتها السودانية، عندما دعتها الأخيرة إلى التفاوض أو الاحتكام للتحكيم الدولي في قضية المثلث، فكان ردها بأنه لا تعليق إضافي لمصر، وأن حلايب وشلاتين مصرية، وهي رسالة مفهومة، ومعناها الإبقاء على سياسة الأمر الواقع، وصم الآذان عن سماع نداء الحوار .
لم يسجل التاريخ في مسيرته الطويلة أن دولة ضعيفة يسودها عدم الاستقرار، استطاعت أن تقضم أو تحتل أرضا ولو صغيرة المساحة وتضمها إليها من دولة كبيرة، فالثابت دائما أن العكس هو ما يحدث، وأن الدول القوية، ولو نسبياً، هي التي تبتلع وتهضم أراضي الدولة الضعيفة وتضمها إليها، وهو ما حصل بين مصر والسودان، وذلك باستغلال الحكومة المصرية لأوضاع السودان في منتصف تسعينات القرن الماضي، وظروف الحرب الدائرة في جنوبه حينها، وأوضاعه الاقتصادية والسياسية الدقيقة والمتردية وعدم الاستقرار، فكان أن بسط الجيش المصري سيطرته على مثلث حلايب وشلاتين السوداني.
لكن ضعف الدول وقوتها شيء متحوّل، والسودان الذي تخطفته الأزمات منذ استقلاله، أزمة وراء أزمة، وضعفاً وراء ضعف، بسبب سوء الإدارة حينا، والحروب والصراعات أحيانا أخرى، لن يكون قادراً على المطالبة بحقوقه، والدفاع عن مصالح مواطنيه، وبسط سيادته وهيبته على كامل أراضيه، إلا إذا توحدت قواه السياسية والوطنية، تحت مشروع نهضوي وطني كبير، ينتشل الوطن من وهدته، ويسمو به إلى أفق سياسي واقتصادي واجتماعي واعد ومزدهر. يومها، لن يكون أمام مصر إلا القبول بما ترفضه اليوم من دعوة للحوار أو التحكيم الدولي، أو تكامل اقتصادي في المنطقة المتنازع عليها، وإلى ذلك الحين، لا حل للقضية في الأفق القريب.