حول أزمة التضخم في مصر

حول أزمة التضخم في مصر

21 مارس 2019
ارتفاع أسعار الخضروات أكثر من 39% في سنة (Getty)
+ الخط -
أعلن الجهاز المركزي المصري للإحصاء قبل أيام ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر للشهر الثاني على التوالي، ليصل إلى 13.9% في فبراير / شباط المنتهي، نتيجة لارتفاع أسعار الأطعمة والمشروبات. وبحسب بيانات الجهاز، فقد زادت أسعار الخضروات بمعدل 39.4%، وأسعار الحبوب والخبز بمعدل 19.3%، مقارنةً بالعام الماضي.

ويأتي ارتفاع معدل التضخم في وقتٍ حرج بالنسبة للاقتصاد المصري، حيث إنه لم يسبقه انخفاض كبير في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، كالذي حدث في أعقاب تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2016، وتسبب في ارتفاعات كبيرة في معدل التضخم في تلك الفترة، حتى وصل إلى 34% بعدها بأشهر قليلة.

وعلى العكس من ذلك، فقد جاء التضخم هذه المرة في الشهر التالي لانخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه بحوالي 40 قرشاً، تمثل أكثر من 2%، الأمر الذي يزيد الشكوك حول اعتراف السوق بهذا الانخفاض، الذي كان يفترض أن يحد من التضخم.

لكن حقيقة الأمر أن كل المتعاملين في السوق، يعرفون جيداً أن انخفاض الدولار مقابل الجنيه ليس حقيقياً، وأنه لم يكن إلا محاولة للتغطية على تصريحات رسمية طائشة، أوحت للسوق أن هناك توقعات بارتفاع الدولار، الأمر الذي استدعى تدخل البنك المركزي لتهدئة السوق، ووقف التكالب على شراء العملة الأجنبية.
ويضيف إلى حرج اللحظة أنها جاءت بعد أيامٍ قليلة من تخفيض البنك المركزي لمعدلات سعر الفائدة على الجنيه، لأول مرة منذ أحد عشر شهراً، فيما بدا للمتعاملين في الأسواق أنه اشارة من البنك إلى انحسار خطر التضخم!

ورغم أنني لست من مؤيدي معدلات الفائدة المرتفعة، إلا أن الوقت الحالي، الذي يرى فيه البنك المركزي تحركات الأسعار خلال الفترة الأخيرة، ويعرف كما نعرف جميعاً أن أسعار الوقود سيتم رفعها خلال الشهور الثلاثة القادمة، بحكم التعهد لصندوق النقد الدولي ببدء تنفيذ آلية التسعير التلقائي للوقود في شهر أبريل / نيسان المقبل، وبحكم الالتزام أمام الصندوق بإلغاء كافة أنواع الدعم عن الوقود، باستثناء الغاز المسال، قبل انتهاء السنة المالية في نهاية يونيو / حزيران القادم، فقد كان يتعين على البنك المركزي التريث بعض الوقت، قبل اتخاذ القرار الأخير بخفض معدلات الفائدة.

كل تلك العلامات توضح أن توقيت التضخم هذه المرة يوحي أن الأسوأ لم يأت بعد، وأن معدلات التضخم ربما تأخذ منحى صعود، على الأقل خلال الشهور الستة القادمة. أما وقد جاءت تلك العلامات مصحوبة بالعديد من مظاهر الركود في السوق المصرية، فإنها تكون مثيرة للقلق.

وبسبب اختفاء أي إحصاءات عن معدلات النشاط في أغلب قطاعات الاقتصاد المصري، فقد اعتدنا الاعتماد على بعض الإشارات غير الرسمية. ومع تزايد الاتصالات من مسوقي العقارات في مصر، بصورة أثارت ضجر الجميع، فقد بدا واضحاً أن سوق العقارات، وهي واحدة من أهم القطاعات في الاقتصاد المصري، تعاني بعض الركود، خاصةً مع ارتفاع المخزون في أغلب المناطق.

ثم كانت الحملات التي تدعو المواطنين لمقاطعة بعض المنتجات مرتفعة الأسعار، وأشهرها حملة "خليها تصدي"، التي أثرت بصورة واضحة على مبيعات السيارات خلال الفترة الماضية، لتؤكد تباطؤ النشاط في قطاعات أخرى.

ولا يستطيع المرء تجاهل المصانع التي أغلقت، أو تستعد للإغلاق، بتأثير عوامل شتى، لتزيد علامات الركود في الاقتصاد، التي تلقي بدورها المزيد من العبء على الاقتصاد المصري، وتقلل من معدلات نمو الاقتصاد، وتزيد من تبعات التضخم.

الحالة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، والتي تجمع بين ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد مؤشرات الركود، تعرف باسم "الركود التضخمي". وتظهر تلك الحالة عندما تنخفض أو تختفي معدلات نمو الاقتصاد، ويقل التوظيف، ويرتفع التضخم والأسعار.
ورغم أن الحالة المصرية لا تعاني بصورة مباشرة العَرَضين الأولين، إلا أن المشكلة هي عدم تعبير معدلات النمو والتوظيف المعلنة عن الحالة الحقيقية، كونها تنتج في أغلبها عن نشاطات إنشائية غير منتجة ولا مصدرة، وعمليات توظيف غير مستدامة، تنتهي بانتهاء المشروع الذي استدعاها، بالإضافة إلى سيطرة جهات سيادية، أرقامها ونتائج أعمالها غي معلنة، على نسب متزايدة من قطاعات شتى في الاقتصاد، الأمر الذي يضيع على الأغلبية الكاسحة من فئات الشعب ثمار هذا النمو الزائف، والتوظيف المُقَنَّع!

وينتج الركود التضخمي عن قيام الحكومة أو البنك المركزي بزيادة عرض النقود، عن طريق طباعة المزيد منها (هل تذكر حديث محافظ البنك المركزي طارق عامر مع الإعلامي عمرو أديب حينما اعترف بذلك)، أو عن طريق التوسع في خلق الائتمان (هل تذكر برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفوائد ميسرة، وتوسع البنوك في الإقراض بضمان شهادات الاستثمار والودائع)، مما يؤدي إلى خلق التضخم، بينما تكون السياسات النقدية والمالية من النوع الذي يعوق النمو، مثلما هو الحال عند زيادة الضرائب أو رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الهامة (هل تعرضت مصر لذلك مؤخراً)، فيتباطأ النمو الحقيقي، بينما يرتفع معدل التضخم.

وشهدت العديد من الدول الركود التضخمي في مرحلةٍ ما، وكان لكل حالة مسبباتها. وفي الولايات المتحدة، تسببت محاولات مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" لمحاربة الركود التضخمي، في الفترة من 1971 إلى 1978، في زيادة الأمور سوءاً.

ورفع البنك الفدرالي معدلات الفائدة لمحاربة التضخم، ثم خفضها للقضاء على الركود، فاضطربت الأسواق، وتحيرت الشركات، وأبقت على أسعارها المرتفعة، رغم تخفيض البنك لمعدلات الفائدة، وهو ما دفع بمعدل التضخم إلى مستوى 13.3% في عام 1979، وهو معدل مرتفع جداً بالنسبة للاقتصاد الأميركي.

وفي العام التالي، اضطر بول فولكر، رئيس البنك الفدرالي وقتها، لرفع معدلات الفائدة على الدولار إلى 20% لإنهاء تلك الحالة المستعصية، إلا أن ذلك جاء بتكلفة مرتفعة جداً، على الموازنة العامة للدولة، وعلى معدلات النمو في السنوات التالية.

فهل نركز جهودنا على حل مشكلات عامي 2019 و2020، قبل التفكير في العام 2060؟