05 سبتمبر 2024
حمّى صعود اليمين... عدوى وتراتبية
قرأت، قبل سنوات، مقالاتٍ عن صعود اليسار في العالم، منذ أكثر من خمس سنوات، وكان هناك انتشارٌ وانتصارات عديدة لليسار في العالم، التجارب الناجحة لليسار الديمقراطي، أو اليسار المعتدل كما يطلق عليه بعضهم، في أميركا الجنوبيةـ كانت ملهمة، وكان لها تأثير كبير على أوروبا، في السنوات القليلة الماضية، فتجارب مثل البرازيل في عهد لولا دي سيلفا (2002- 2010) والأرجنتين في عهد نيستوركيرشنر (2003 – 2007)، ثم زوجته كريستينا فيرنانديز (2007 – 2015) كانت "ضمن" التجارب الناجحة التي ألهمت اليسار الأوروبي الذي كان له ظهور كبير في السنوات الأخيرة، خصوصاً في اليونان وإسبانيا أخيراً، ولعل فوز فرانسوا هولاند بالرئاسة في فرنسا قد أطلق أحلام بعضهم في إمكانية انتشار عدوى فوز اليسار في العالم كله.
كما كان للثورات العربية في بداياتها دور مهم في تغذية الآمال والأحلام بإمكانية فوز اليسار، حيث خرجت الشعوب العربية في 2011 تنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية، ومن أجل تحسين مستوى المعيشة، حيث كان للإجراءات الرأسمالية "النيوليبرالية" دور كبير في الضغط الذي أدى إلى انطلاق الثورات العربية، خصوصا مصر وتونس، ولعل السياسات الاقتصادية لحسني مبارك وولده في مصر ولبن علي وزوجته في تونس أبرز مثال على ذلك، فالظلم الاجتماعي كان له دور كبير في تفجير الثورات.
ولكن، قد تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد شهدت المنطقة العربية صراعاً دموياً بين قوى اليمين، اليمين الديني المتطرف من جانب، واليمين المحافظ / العسكري/ مع تحالفات مع اليمين الرأسمالي مع تحالفات أخرى مع بقايا القوميين الذين لا يقلون تطرفاً عن الدواعش.
أما اليسار العربي عموماً، والمصري خصوصاً، فلا يزال مفككاً ولا يشكل بديلاً، أو تهديداً لليمين المتصارع، وبعضه لا يزال يعيش في الماضي، بأدبياته بلغته بأساليبه، أما اليسار الديمقراطي، أو الأفكار الاشتراكية الديمقراطية، أو الديمقراطية الاجتماعية، فهي تعيش مثل اللقيط في مصر، فهي، على الرغم من ندرتها في الأساس إلا أنهم يلاقون أحيانا العداء من كل التيارات، أما القوى الشبابية والثورية، فلا أرغب حقيقة في تكرار الحديث عن الأخطاء والرومانسية ومشكلات التخطيط أو التنظيم لديها.
ولم يتسبب صعود اليمين الديني المتطرف في المنطقة العربية، بعد استغلال الفراغ المفاجئ،
إلى عودة الأنظمة المستبدة مرة أخرى فقط، ولا إلى تصاعد الميل نحو الاتجاه المحافظ والحكم العسكري فقط؛ بل الأخطر أيضاً، وهو صعود اليمين في العالم كله للرد على ذلك، فأزمة المهاجرين نتيجة لما يحدث في المنطقة العربية قد أعطت فرصة لا تعوّض لليمين المتطرف الغربي.
أصبحت هناك شعبية أكبر للتيارات التي تعادي الآخر، سواء هنا أو هناك، لم يعد هناك أي مجال أو سوق لأشياء، مثل التسامح أو التعايش أو قبول الآخر كما هو. فى الوقت الذي تجد فيه داعش يجنّدون الشباب بسهولة، بسبب الأوضاع السيئة للمسلمين في الغرب، وبسبب ظلم الحكومات العربية وفسادها، ستجد إعلام العسكر في مصر يسوّق فكرة أن الغرب "الآخر" هو الشر المطلق، وأنه هو صنع داعش والإرهاب، ويسعى إلى تدمير المنطقة ثم مصر. في الوقت نفسه، ستجد "الإخوان المسلمين" ينشرون، وسط مؤيديهم، أن الغرب الكافر المتآمر هو من صنع عبد الفتاح السيسي، وساعده على الانقلاب على الشرعية، لا فارق كبير بينهما في رأيي المتواضع.
في أوروبا الآن هناك هلعٌ من الآخر، العرب المهاجرين الذين يريدون تدمير أوروبا المتحضرة والمتقدمة، الهوية المسيحية في خطر، اليمين والتمسك بالهوية هو الحل. واليمين المتطرف في أوروبا في صعود غير مسبوق، ولم يحلم به، فرنسا للفرنسيين، ألمانيا للألمانيين، أوروبا للأوروبيين، لا مجال لمهاجرين عرب مسلمين متخلفين، سيأخذون وظائفنا، ويدمرون حضارتنا. حتى هولاند المحسوب على الاشتراكيين أصبح يميل نحو أفكار يمينية، ويدعم قوانين إقصائية للآخر.
إنه زمن مارين لوبان ودونالد ترامب والسيسي وأبو بكر البغدادي، لا تتعجب عندما ترى صعود الجمهوريين في الولايات المتحدة، إنه الهلع من الآخر، أو بالأصحّ استغلال الهلع من الآخر، ولا تتعجب عندما ترى الجمهوريين في أميركا واليمينيين في أوروبا أصدقاء للسيسي وداعمين له، على الرغم من كل ما يروّجه الإعلام المصري عن المؤامرات. هناك من يحتاج لإبقاء النار مشتعلة. واليمين المتطرف يدعم بعضه، ويحتاج من مثله في الطرف الآخر، ليستطيع العيش والبقاء، إما عن طريق التعاون أو التذرع بمحاربة الآخر، أو الاثنين معاً كما يفعل الخطاب المصري المزدوج، لا تتعجب، عندما تلاحظ صعود اليمين الإسرائيلي واختفاء اليسار بكل درجاته، إنهم يحتاجون رجلاً قوياً للتفاهم معه كالسيسي، وكامب ديفيد والعلاقات القديمة المشتركة والتنسيق في سيناء والتدريب في الولايات المتحدة، أحدث العديد من العلاقات والتواصل، إنه أكبر مثال على التعاون الإيجابي المشترك.
يحتاج الجمهوريون واللوبي الصهيوني وحزب الشاي "تي بارتي" رجلاً مثل السيسي حليفاً وصديقاً، ويحتاجون داعش فزاعة. .. إنها دائرة مفرغه ملعونة، اليمين يعتمد على اليمين إيجاباً وسلباً، واليسار أحياناً يحارب اليسار. واليمين الديني يحتاج أخطاء اليمين الغربي المتطرف وخطابه، واليمين الغربي يستغل فزاعة اللاجئين، والإرهابيون في مصر يستغلون عنف النظام وغباءه وأخطاءه، من أجل مزيد من راغبي الانتقام، والنظام الحاكم يستغل الإرهاب، من أجل شرعية البقاء، على الرغم من الفشل الإداري والقمع، إنها دائرة ملعونة.
كما كان للثورات العربية في بداياتها دور مهم في تغذية الآمال والأحلام بإمكانية فوز اليسار، حيث خرجت الشعوب العربية في 2011 تنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية، ومن أجل تحسين مستوى المعيشة، حيث كان للإجراءات الرأسمالية "النيوليبرالية" دور كبير في الضغط الذي أدى إلى انطلاق الثورات العربية، خصوصا مصر وتونس، ولعل السياسات الاقتصادية لحسني مبارك وولده في مصر ولبن علي وزوجته في تونس أبرز مثال على ذلك، فالظلم الاجتماعي كان له دور كبير في تفجير الثورات.
ولكن، قد تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد شهدت المنطقة العربية صراعاً دموياً بين قوى اليمين، اليمين الديني المتطرف من جانب، واليمين المحافظ / العسكري/ مع تحالفات مع اليمين الرأسمالي مع تحالفات أخرى مع بقايا القوميين الذين لا يقلون تطرفاً عن الدواعش.
أما اليسار العربي عموماً، والمصري خصوصاً، فلا يزال مفككاً ولا يشكل بديلاً، أو تهديداً لليمين المتصارع، وبعضه لا يزال يعيش في الماضي، بأدبياته بلغته بأساليبه، أما اليسار الديمقراطي، أو الأفكار الاشتراكية الديمقراطية، أو الديمقراطية الاجتماعية، فهي تعيش مثل اللقيط في مصر، فهي، على الرغم من ندرتها في الأساس إلا أنهم يلاقون أحيانا العداء من كل التيارات، أما القوى الشبابية والثورية، فلا أرغب حقيقة في تكرار الحديث عن الأخطاء والرومانسية ومشكلات التخطيط أو التنظيم لديها.
ولم يتسبب صعود اليمين الديني المتطرف في المنطقة العربية، بعد استغلال الفراغ المفاجئ،
أصبحت هناك شعبية أكبر للتيارات التي تعادي الآخر، سواء هنا أو هناك، لم يعد هناك أي مجال أو سوق لأشياء، مثل التسامح أو التعايش أو قبول الآخر كما هو. فى الوقت الذي تجد فيه داعش يجنّدون الشباب بسهولة، بسبب الأوضاع السيئة للمسلمين في الغرب، وبسبب ظلم الحكومات العربية وفسادها، ستجد إعلام العسكر في مصر يسوّق فكرة أن الغرب "الآخر" هو الشر المطلق، وأنه هو صنع داعش والإرهاب، ويسعى إلى تدمير المنطقة ثم مصر. في الوقت نفسه، ستجد "الإخوان المسلمين" ينشرون، وسط مؤيديهم، أن الغرب الكافر المتآمر هو من صنع عبد الفتاح السيسي، وساعده على الانقلاب على الشرعية، لا فارق كبير بينهما في رأيي المتواضع.
في أوروبا الآن هناك هلعٌ من الآخر، العرب المهاجرين الذين يريدون تدمير أوروبا المتحضرة والمتقدمة، الهوية المسيحية في خطر، اليمين والتمسك بالهوية هو الحل. واليمين المتطرف في أوروبا في صعود غير مسبوق، ولم يحلم به، فرنسا للفرنسيين، ألمانيا للألمانيين، أوروبا للأوروبيين، لا مجال لمهاجرين عرب مسلمين متخلفين، سيأخذون وظائفنا، ويدمرون حضارتنا. حتى هولاند المحسوب على الاشتراكيين أصبح يميل نحو أفكار يمينية، ويدعم قوانين إقصائية للآخر.
إنه زمن مارين لوبان ودونالد ترامب والسيسي وأبو بكر البغدادي، لا تتعجب عندما ترى صعود الجمهوريين في الولايات المتحدة، إنه الهلع من الآخر، أو بالأصحّ استغلال الهلع من الآخر، ولا تتعجب عندما ترى الجمهوريين في أميركا واليمينيين في أوروبا أصدقاء للسيسي وداعمين له، على الرغم من كل ما يروّجه الإعلام المصري عن المؤامرات. هناك من يحتاج لإبقاء النار مشتعلة. واليمين المتطرف يدعم بعضه، ويحتاج من مثله في الطرف الآخر، ليستطيع العيش والبقاء، إما عن طريق التعاون أو التذرع بمحاربة الآخر، أو الاثنين معاً كما يفعل الخطاب المصري المزدوج، لا تتعجب، عندما تلاحظ صعود اليمين الإسرائيلي واختفاء اليسار بكل درجاته، إنهم يحتاجون رجلاً قوياً للتفاهم معه كالسيسي، وكامب ديفيد والعلاقات القديمة المشتركة والتنسيق في سيناء والتدريب في الولايات المتحدة، أحدث العديد من العلاقات والتواصل، إنه أكبر مثال على التعاون الإيجابي المشترك.
يحتاج الجمهوريون واللوبي الصهيوني وحزب الشاي "تي بارتي" رجلاً مثل السيسي حليفاً وصديقاً، ويحتاجون داعش فزاعة. .. إنها دائرة مفرغه ملعونة، اليمين يعتمد على اليمين إيجاباً وسلباً، واليسار أحياناً يحارب اليسار. واليمين الديني يحتاج أخطاء اليمين الغربي المتطرف وخطابه، واليمين الغربي يستغل فزاعة اللاجئين، والإرهابيون في مصر يستغلون عنف النظام وغباءه وأخطاءه، من أجل مزيد من راغبي الانتقام، والنظام الحاكم يستغل الإرهاب، من أجل شرعية البقاء، على الرغم من الفشل الإداري والقمع، إنها دائرة ملعونة.