حماية الخرافة من الانقراض

حماية الخرافة من الانقراض

21 ابريل 2016
نذير طنبولي / مصر
+ الخط -

يَعتبر أولئك المؤمنون بالنّهار أن الليل مسألة افتراضية. وعليه، ينامونه كلّه. كذلك أولئك الذين يتحجّجون بالدعاء لقضاء حاجاتهم؛ يجدون أن العمل للحصول عليها مجرّد ترف يمكن الاستغناء عنه.

يُمكن سحب هذا الأمر على إدراك الإنسان العلمي، نتحدّث في هذا السياق عن الشقّ النفسي تحديداً، والذي جرى استبداله بما يُسمّى "الرقية الشرعية". هي محاولة لتصعيد الجانب الدرامي لنظرتنا المحدودة للعلم عموماً، والطب النفسي على وجه الخصوص. ما هو مثير للغرابة، أن بعض الأطبّاء النفسيين يذهبون إلى الراقي، وقد حدث وتوفيت طبيبة جزائرية في عيادة شيخ للرقية؛ ما يشير إلى صلابة أرضية ممارسة طقوس الجهل.

يسند كثير من الناس في مجتمعنا رأسهم إلى الخرافة، في محاولة لبرهنة أمور لامرئية، مثل الجن. لا يحدث هذا لأنهم في حاجة إلى من يؤنسهم في عالم آخر، بل لحاجتهم الدائمة لبديل عنهم، لمن يحمل إخفاقاتهم، ولإخبار من حولهم أن ما يحدث من تعب نفسيّ فيهم مردّه أن كائناً لا مرئياً يعبثُ بحياتهم، ويعرقل تقدمهم.

هكذا، دون ريبة، يحل محل العجز ابتكار الخرافة، وهذا في حد ذاته حالة مرضية أيضاً، تقتضي التهرّب من مسؤولياتنا أمام أنفسنا، وواقعنا أيضاً. فبينما يحاول العلم إثبات أن النفس تحتاج إلى العلاج عبر الدواء، وغيره من الوسائل العلمية، يطل بعض المشايخ مُحمّلين بالأوهام، وجلّ همّهم حماية وظائفهم من الانقراض.

يتعلّق الأمر، أيضاً، بغياب ثقافة الصحّة النفسية عن مجتمعاتنا. فمن يراجع طبيباً نفسياً يُقال عنه، في كثير من الأحيان، إنه مجنون. لكن الغريب، أن الممارسات الغريبة التي يقوم بها الراقي، يُنظر إليها بوصفها حلّاً إلهيّاً، وليس عقلانياً وحسب. من هنا، يتراجع الطب النفسي، بسبب الصورة النمطية المنتشرة حوله، لتتقدّم الخرافة محلّه.

يبدو أنه من الصعب أن يجري إيقاف انتشار اللجوء إلى الرقية؛ لأن ذلك سيؤثّر على مصالح كثيرين: عيادات الرقية، وتجار بيع المياه المعدنية، وبائعو الأعشاب والعطارون، الذين لا يتوانون، في كثير من الأحيان، عن الاستشهاد بآيات من القرآن كي يبرّروا لأنفسهم ما يفعلون، ويقنعوا الناس بالتعامل معهم.

لكن، من جهةٍ أخرى، نعرف أن تحوّلات كُبرى حصلت حين تغيّر الاعتقاد بأن الأرض هي مركز الكون، لتصبح جرماً يدور حول الشمس، وكذلك حين اكتشف آينشتاين، في نسبيّته، العلاقة بين الزمان والمكان، وبين المادة والطاقة. ربّما أخذت هذه الاكتشافات والتحوّلات وقتاً لتُقبل في المجتمعين؛ العلمي والعام، لكنها، بمرور الوقت، رسخت. لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً كي تتفسّخ أوهام الميتافيزيقيا في مواجهة صخرة المعرفة. وإلى أن تحين تلك اللحظة، يبدو أن علينا إحصاء ضحايا تلك الأوهام الكبرى.


(الجزائر)

دلالات

المساهمون