Skip to main content
حماتي ملاك
سما حسن
(نذير نبعة)

أصبح الأمر عادياً أن تطلب هديل الطلاق من زوجها قبل عيد الأضحى المبارك بأيام قليلة، وأصبح دوري في إصلاح ذات البين بينهما، وتهوين الأمر على صديقتي هديل، عادةً سنويةً، تتزامن مع طلب حماتها أن تأتي إلى بيتها، لتقوم بعملية تنظيف شاملة ومرهقة لجميع أنحاء البيت، حتى إعادة غسيل الملابس المخزّنة للموسم المقبل، ويرغمها زوجها على أن تلبي أوامر أمه، على الرغم من أنها بصحة جيدة، ولديها بنات شابات يستطعن القيام بأعمال المنزل، من دون الحاجة لهديل التي تعمل موظفةً ولديها أطفال صغار.

حالة هديل التي تقع بين نار الزوج والحماة ليست فريدة من نوعها، إذ تؤكد إحصاءات المحاكم الشرعية في غزة، مثلاً، زيادة في نسبة الطلاق بالنسبة لحالات الزواج، إذ بلغت 13% من حالات الزواج في العام الجاري. وقال خبراء في لجان الإصلاح العشائري والقضاء الشرعي إن ثالث أسباب الطلاق، بعد الوضع الاقتصادي السيئ ومواقع التواصل الاجتماعي، هو تدخل الأهل في حياة الزوجين حديثي الزواج، وتقع معظم حالات الطلاق في العام الأول من الزواج، وقد برزت الظاهرة بقوة بعد عودة ظاهرة زواج الأبناء في بيت العائلة الكبير، بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشباب، فيلجأون إلى هذا الحل، هرباً مما أصبحت تعرف بـ "عنوسة الرجال". وبات بيت العائلة حلاً بتقديمه غرفة للابن، ليقيم فيها مع عروسه، أو تقديم غرفةٍ ملحقة في الطابق العلوي، لكن النتيجة واحدة، وهي أن العروس الجديدة تصبح تحت سطوة أم الزوج، وهي التي تعاني من "عقدة الحماة"، قبل أن تبدأ حياتها الزوجية.

وقد لفتني سؤال أحد الأزواج الحائرين بين الزوجات والأمهات إلى أحد مشايخ الدين على إحدى الفضائيات: هل يجوز أن أطلق زوجتي التي ترفض رعاية أمي وخدمتها؟ وهنا فاجأني الشيخ برده الذي لا يخلو من طرافة: إذا كانت أمك ثرية ولديها "شكمجية مليئة بالمصاغ"؛ أي الصندوق الخشبي الصغير الذي تحتفظ به النساء بحليهن، فيجب أن تستقدم خادمةً تقوم على شؤونها وترعاها، ولا تترك هذه المهمة الشاقة على العروس الصغيرة الشابة التي تريد أن تستمتع بحياتها الزوجية، وخصوصاً في السنة الأولى من زواجها. وأكمل في رده الصريح أنه ليس من حق الزوج أن يحكم على زوجته بسوء العشرة، لأنها تمتنع عن خدمة الأم التي تستطيع أن تستعين بأكثر من خادمة، لكنها تريد أن تكرس لمفهوم الحماة بأنها مفتاح نجاح الحياة الزوجية.

الأجدر والأولى بالأم التي أعطت عمرها وشبابها وصحتها لأولادها ألا تنغص حياة ابنها بتحويل عروسه إلى خادمة، وهي لا تقبل هذا الدور لبناتها، وألا تتهم ابنها بالعقوق، لأنه لا يطوع زوجه الصغيرة القليلة الدراية بالحياة لخدمتها وخدمة أبيه وإخوته الذين لم يتزوجوا بعد، وشقيقاته اللواتي يفدن إلى بيت العائلة زائراتٍ، ويردن أن يقمن بدور "الضيوف" في حضرة زوجة الأخ التي تكون تحت المجهر، وكل خطأ تقترفه بحقهن، أو بحق صغارهن، يحسب لها كألف خطأ.

الأم التي تبغي سعادة أولادها هي التي تربيهم لتطلق أجنحتهم في الفضاء، لكي يحلقوا سعداء، بعد أن روتهم بحبها وحنانها، فالحياة تدور عجلتها، وما أحبته الأم لنفسها في يوم يجب أن تحبه لزوجة ابنها، وما توقعته من زوجها، حين ارتبطت به، يجب أن توفره لابنها، ولن يصبح الابن مرغماً على تكليف زوجته برعاية أمه، إلا حين لا يتوفر المال لاستقدام خادمةٍ، أو اختصاصية علاج طبيعي لتدليك أعضائها وتمليس مفاصلها وتمرينها، إذ تقوم بهذه الخدمات اختصاصيات على خير وجه، علاوة على عاملات النظافة المنزلية، فما جدوى "شكمجية الذهب" التي حرصت الأم كبيرة السن على تخزينها طوال حياتها، إن لم تنفقها من أجل أن تموت عزيزةً غاليةً لا مهينة ولا مهانة.