حماة تفتح أسواقها ليلاً
يزن شهداوي ــ حماة
قد ينتظر التجار رزقاً لا يأتي (لؤي بشارة/فرانس برس)
للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة، تفتح أسواق مدينة حماة أبوابها ليلاً. يستغل النظام ذلك كدعاية له تمنع المعارضة من التقدم. لكنّ الغلاء الكبير يحول بين الأهالي وتلك الأسواق

لم يختلف رمضان هذا العام عن أعوام سابقة في مدينة حماة السورية إلاّ في غلاء الأسعار وتضاعفها، وكذلك، فتح أسواق المدينة ليلاً منذ بداية الشهر بعدما نسي تجار المدينة وأهلها ذلك.

سامر أحد تجار مدينة حماة يقول لـ"العربي الجديد" إنّ المحافظ أوعز إلى غرفة التجارة في المدينة بفتح أسواقها ليلاً بعد صلاة العشاء وحتى الساعة الواحدة عند منتصف الليل، وذلك بهدف زيادة الحركة في الأسواق في ساعات الليل لإعادة الحياة إلى المدينة كما كانت سابقاً، بعد توقفها أكثر من ست سنوات.

يأتي ذلك بالرغم من أنّ النظام لم يهيئ المقومات التي تساعد التجار على فتح محالهم التجارية ليلاً، فانقطاع الكهرباء المتواصل يحتّم عليهم استخدام المولدات الكهربائية وإنفاق جزء من أرباحهم ثمناً للمحروقات التي لا تتأمن بسهولة في ظل الصعوبات التي تواجه الأهالي في توفير مادتي البنزين والمازوت. كذلك، فإنّ التشدد الأمني والتدقيق من قبل حواجز النظام وعناصره على التجار والأهالي يمنعهم من النزول في ساعات الليل المتأخرة إلى أسواق المدينة، وهذا ما يخافه التجار بعد هدر وقتهم وأموالهم على المولدات والمحروقات ورواتب العمال من دون فائدة تذكر.

بدوره، يلفت الناشط الميداني في حماة عامر الأشقر إلى أنّ النظام قام بذات الخطوة في العامين الماضيين بهدف استخدام الأهالي والمتسوقين ليلاً كدرع بشري في أيّ عملية عسكرية قد تقوم بها الخلايا النائمة من المعارضة المسلحة في مدينة حماة ضد حواجز النظام، وكوسيلة ردع من أيّ استهداف من جانب الثوار لأيّ من مراكز النظام داخل المدينة، فالتسوق والمعيشة في مدينة حماة ليست همّاً لدى قيادات النظام.

يحاول النظام في هذه الخطوة القول إنّ روح الثورة انتهت في حماة، والأهالي يعيشون في نعيم تحت حمايته. وتعتبر الأسواق مصيدة سهلة للمطلوبين للنظام أمنياً، أو المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية بعد طلب نحو عشرة آلاف شاب للخدمة الاحتياطية من محافظة حماة فقط. داخل الأسواق يفاجأ المرء بعدد من عناصر المخابرات الجوية أو العسكرية يطلبون البطاقات الشخصية ودفاتر الخدمة العسكرية للبحث عن أسماء المطلوبين، وينتهي المطاف به بعد أكثر من ثلاثين دقيقة، لدى أحد أفرع الاستخبارات، أو إطلاق سراحه بعد التوبيخ والإهانة لعدم التحاقه بصفوف الجيش السوري تطوعاً من تلقاء نفسه إن لم يكن مطلوباً للخدمة. يضيف أنّ أسلوب النظام ومحافظ حماة محمد الحزوري في إعادة الحياة للمدينة ليلاً، هو بمثابة منع أي حراك ثوري عسكري مقبل للمدينة، وجعلها خطاً أحمر أمام المعارضة المسلحة خوفاً على المدنيين فيها، وتلك هي الوسيلة الوحيدة في إيقاف حلم المعارضة في الوصول إلى مدينة حماة، فالكثافة السكانية الكبيرة هناك واحتياجاتها من الأسواق وعدم تمكن الأهالي من النزول ظهراً بسبب حر الصيف الشديد وتفضيل ساعات الليل للتسوق تجعل النظام يستغل الأمر لصالحه.

أم كريم، ربة منزل خمسينية من مدينة حماة، تقول إنّ الأسواق تفتح محالها التجارية ليلاً وتشهد ازدحاماً جيداً إلى حدّ ما، لكنّ الازدحام لا يحمل معه قيمة شرائية كبيرة للتجار والباعة، فالأسعار باهظة ما يمنع الفقير والمحتاج من النازحين أو من أهالي المدينة من الشراء وإن فتحت الأسواق أبوابها ليلاً. تضيف أنّ هذا العام يحمل معه غلاء كبيراً في الألبسة واحتياجات عيد الفطر من الحلويات والتمور، فقد تضاعفت أسعارها إلى ضعفين أو ثلاثة، وحولت أنظار الأهالي إلى محال الألبسة المستعملة التي انتشرت في أرجاء المدينة والتي اتخذها التجار مهنة رابحة لهم نتيجة الإقبال الشديد من الأهالي من جميع الفئات عليها كوسيلة حلّ للغلاء الذي يفرض كلمته على أسواق المدينة.

بالإضافة إلى الغلاء، فإنّ تصرفات عناصر النظام تجاه الأهالي داخل الأسواق وفي أماكن الازدحام، تمنعهم من النزول ليلاً، خصوصاً مع الخلافات التي حصلت العام الماضي بين الكثير من شباب المدينة وبين عناصر النظام، نظراً للتصرفات غير الأخلاقية لعناصر النظام مع نساء وفتيات المدينة، من دون رادع.

مضت الأيام الخمسة العشر الأولى من رمضان، وبدأ التحضير لعيد الفطر في حماة، وسط محاولات للنظام في جعل المدينة سداً منيعاً أمام كتائب المعارضة من جهة، وغلاء الأسعار وسوء الأحوال التي يعيشها الأهالي من جهة أخرى.