حلت علينا "الخلافة"

حلت علينا "الخلافة"

22 اغسطس 2014
+ الخط -


"هل هي حلقة من مسلسل أبي مسلم الخرساني؟" هكذا تساءل معلقٌ على شريط "داعشي"، يهدف إلى إقناع المشاهدين بأن كل شيء على ما يرام في تدبير الخلافة لشؤون المسلمين، حيث بويعت، وخصوصاً في الموصل في العراق.  يظهر شرطيان من شرطة الحسبة، يجوبان الأسواق، بزي يمزج بين البياض والسواد، وقد بدت القبعتان يهوديتي الشكل، مما ذكّرني بيهود الملاح القديم في مدن المغرب. يتساءل كبيرهما بابتسامة إشهارية: تبيع خروفا أم غنمة (شاة)؟ بكم؟ وأنت هل هذا عصير نصفه ماء؟ يُحدِث الرجلان جَلبَة حيثما حلا، مما يعني أن الكاميرا ليست وحدها المصوبة.

سيدي، صوتك يصل إلى الوالي، بخلاف أصواتنا. نريدك، سيدي، أن تنقل له كذا وكذا. يجيب الشرطي البشوش: نحن لا نتبع لديوان المظالم. اذهبوا إلى الديوان، واعرضوا شكواكم. وبعد أن يتباهى، متحدياً، بأن لا أحد مخمور، أو يبيع خمراً في المدينة، تعرّج الكاميرا على حشد من الناس، شيبةً وشباباً، وأطفالا، يتوسطهم صليب يحمل آدمياً، سليم الرقبة، شُد وثاقه، وعُصبت عيناه.

لم يرعبني منظره من كثرة ما رأيت من ذبح، حتى تعجبت زوجتي من رباطة جأشي. لكن، هالني أن أرى الناس يلتقطون لمصلوب القرن الواحد والعشرين صوراً بهواتفهم وكاميراتهم، وكأنهم في نزهةٍ في حديقة للحيوانات. هكذا، إذن، تفرج الناس على الحلاج ذات صلب في بغداد.

هنا الخطر الكبير، أو البشاعة ذاتها، أن تكون الجريمة متمتعة بحاضنةٍ شعبية، مشجعة أو لا مبالية. تلِج الكاميرا بناية محكمة، باغت القضاء الـ"داعشي" ملفاتها، وروادها؛ من دون أن يكون أي طرف مستعدا للآخر. لم يبق للمتحدث عن هذا العدل الهابط من السماء إلا أن يقول إن روح عمر بن الخطاب تتحرك في الأرجاء، لتبث في الأقضية والنوازل. يتم الإدلاء بأن المؤهلات العلمية، وقد اعتقدناها قتالية فقط، لقضاة الخلافة بدون حدود.

يلتفت الشريط إلى المستقبل، فيجيش أطفال الأزقة ليشهدوا للخليفة بالصلاح. يقول المتحدث: لا مشكلة إلا مع الكبار المتوجسين خيفة. الصغار معنا، وهم جنود المستقبل. لا يمانع داعشي في دخول النهر، سابحاً مع الأطفال، ممازحا بعضهم بإغراقهم، أو يمزح فقط هذا "الأبو نحر" القادم من أسمال التاريخ؟

ويكمل شريط آخر بإظهار سوق نخاسة، في أتم نشاطها، بورصة داعشية للحم البشري الحي. حرائر عربيات تأخر زمن سبيهن، وبيعهن من طرف "بوكو حلال"، وكل العالم ينظر.

وآخر مجسم يُظهر الصحافي الأميركي، أسير الخلافة، منتظراً قدره، بكل ألوان جوانتانامو. لغة إنجليزية راقية تذبحها لغة إنجليزية راقية. هذه رؤيا لم يرها عزيز أو ملك أو رئيس.

إني رأيت لغة تذبح لغة.

فضحتنا الـ"داعشية"

من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها. وانصرف الناس، ولم يبق مع المسيح غير المرأة الزانية. كلهم زنوا، ولا أحد وجد في نفسه الشجاعة، لينكر عليها صنيعها، بحجر.

ماذا نفعل الآن، وقد فضحونا بـ"داعش"؟  ليقولوا للعالم: هؤلاء هم. وهذا أقصى حلمهم. أن تكون لهم خلافة تشد الوثاق وتضرب الرقاب. خلافة تعتلي حتى سطح البيت الأبيض، لتغرز راية الإسلام بين كتفي الرئيس الأميركي. لا يهم أن نزايد، ونتمحل التفاسير، وننسب ديننا لغير حضارة العنف. هذا أصبح مفضوحاً اليوم. قطع أسلافنا الرأس التي لم تسلم. وقطعوها لأنها عصت، وإن أسلمت. وقطعوها لأنها إذ أسلمت لم تبايع؟ وقطعوها لأنها إذ لم تجاهر وسوست صدرَها. وقطعوها لأنها تغري بالقطع كل سياف راكب صولته ورئاسته. قطعوها ظلما، كما قطعوها عدلا. قطعوها جداً، كما قطعوها هزلا.

حينما نعترف بهذا؛ نلتفت إلى الأزمنة التي علمتنا كل هذه الغلظة والشراسة، لنتيقن من أن كل سيوف الأمم تفاخرت بالأشد مضاء. وعلينا، بعدها، أن نسأل أمم الحضارة والحداثة اليوم: كيف تقدمتم وكيف تخلفنا؟ كيف طورتم شراستكم ولطفتموها، في حين يطبق علينا الحنين، إلى وادي الدماء؟ لنرفع التحدي ونعطل نصوص القتل.

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)