حرب حلب شبه منسية في واشنطن؛ فإعلامياً، سيرتها بالكاد ملحوظة في الصفحات الداخلية كمادة خبرية عادية، أما سياساً، فإدارة الرئيس باراك أوباما مشغولة بحزم حقائب المغادرة، وفريق الرئيس المنتخب، دونالد ترامب منهمك بتركيب إدارته.
مع ذلك، يوجد بين الاثنين قاسم روسي - سوري مشترك: الأولى تخلت عن حلب والملف السوري برمته، لموسكو تحت غطاء التعاون معها. أما ترامب فيتجه نحو عقد صفقة مع الروس من خلال صيغة سياسية تتولى موسكو إدارتها بعد حلب، التي تتعامل معها واشنطن على أساس أن معركتها باتت محسومة وأن دخول قوات النظام السوري إليها ليست سوى مسألة وقت وجيز.
الإدارة التي بقي لها خمسون يوماً في الحكم، نفضت يدها من سورية، منذ زمن، وتوسلت الدبلوماسية لشراء الوقت. ما زالت تتحدث حتى الآن، عن "تقدم" موهوم في اجتماعات جنيف التي تصر على التنويه بأهميتها ولو "أنها لم تبلغ المنشود" بعد. أما متى تبلغ ذلك، فليس مهماً في حساباتها. تكتفي بشبه مناحة على حلب، تتلطّى خلف شكوى ضمنية من نوع أن "العين بصيرة واليد قصيرة".
أمس الأول، وفي خطاب وداعي حول السياسة الخارجية، أكّد الوزير جون كيري عزمه بأنه "لن يستسلم طالما هو في الوزارة" ولن يتخلى عن جهوده لتخفيف المعاناة الإنسانية في حلب. كالعادة، لم يكشف عن الكيفية ولا عن التفاصيل. لأنه لا تفاصيل. خاصة في لحظة التسلم والتسليم الراهنة. ترك التفاصيل للعرض الشامل الذي قدمه وعدّد فيه إنجازات إدارة أوباما بالساحة الدولية مع التشديد على النووي الإيراني وتطبيع العلاقات مع كوبا واتفاق باريس للمناخ.
على هذه الخلفية يأتي الرئيس المنتخب ترامب ومساحة الحركة أمامه واسعة، للتصرف بشأن الأزمة السورية. ومن الآن بدأ يعطي إشارات ويفصح عن تلميحات حول خياراته بشأنها. وهي تشير في خلاصتها إلى أن ترامب لا ينوي مغادرة خط أوباما العام حيالها. إلاّ أنه يتجه نحو توسيعه لناحية نقل الموقف الأميركي من التعاون الضبابي مع روسيا إلى ما يشبه التفويض لها لتدبير مسار سياسي تكون ظروفه قد تهيأت مع بدء رئاسته؛ على افتراض أن وضع حلب يكون قد انتهى.
وقد ربط المراقبون بين هذه الإشارات وبين وقائع ثلاث: مغازلة ترامب مع الكرملين أثناء وبعد الحملة الانتخابية وما تخللها من ودّ وثناء متبادل مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعزز باختيار مستشار لشؤون الأمن القومي، الجنرال مايكل فلين، متفق مع رئيسه بخصوص العلاقة الجديدة مع الكرملين؛ خاصة في ما يتعلق بالشرق الأوسط. أما الواقعة الثانية، فتمثلت بلقاء ابنه الأكبر، دونالد ترامب جونيور، في باريس خلال أكتوبر/تشرين الأول، مع رمز من "المعارضة الوطنية" السورية المحسوبة على موسكو. مبادرة وضعها المراقبون في إطار توضيب الملف السوري بالشراكة مع الكرملين. ثم جاءت إشارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي رأى في ترامب "الحليف الطبيعي إذا التزم بمحاربة الإرهاب".
لكن هناك مشكلة على ترامب التعامل معها وتتمثل في اعتراض الكونغرس وبالتحديد أركان الجمهوريين في مجلس الشيوخ، على التقارب مع موسكو بوتين، وبخاصة في سورية. فهم حذروا من مثل هذه الخطوة. وفي هذا السياق، تردد أيضاً أن موقف ميت رومني الذي يعتبر موسكو "من ألدّ خصوم أميركا"، قد ساهم هو الآخر في تعثر عملية تعيينه وزيراً للخارجية.
لكن هذه العوائق ليست مستعصية. فالرئيس ترامب يتقن لعبة عقد الصفقات وبالتالي بإمكانه حمل الكونغرس على "تفهم" مقاربته السورية، مقابل تسهيلات يقدمها للجمهوريين، سواء في التعيينات أو في تمرير المشاريع الداخلية التي يستعجلون إقرارها. أما رومني الذي وجد طريقة للتصالح مع ترامب بعد عداوة سياسية معه أخذت شكل حرب كسر العظم، لا تفوته شطارة الالتفاف على مواقفه من الكرملين والتكيف مع سياسات رئيسه، لو حسم ترامب في تعيينه بالخارجية.