حكومة جديدة في موريتانيا لإبعاد شبهة الفساد عن النظام

حكومة جديدة في موريتانيا لإبعاد شبهة الفساد عن النظام

17 اغسطس 2020
يحاول الغزواني خلق التوازن الحكومي لإنجاح عهده (فرانس برس)
+ الخط -

اعتمد الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني على حكومة جديدة لتحقيق أهداف عامه الثاني في الحكم وتنفيذ التعهدات، التي باتت تشكل مصدر قلق لأنصاره ومدخلاً لانتقاده من قبل المعارضين. وقد حاول الرئيس إبعاد شبهة التواطؤ مع المتهمين بالفساد عن نظامه، بإقالة جميع الوزراء والمسؤولين الذين وردت أسماؤهم في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المكلفة بالتحقيق في قضايا فساد عشرية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009 ـ 2019). وحافظت التشكيلة الحكومية الجديدة على التوازنات القبلية والجهوية والعرقية التي تراعى عادة في تعيينات القطاعات الحكومية والجيش والأجهزة الأمنية في موريتانيا، وأعادت رئاسة الحكومة لشريحة "الحراطين" وهم المسترقون سابقاً بعد سنوات من غيابهم عن رئاسة الحكومة، بتعيين أحد أبناء هذه الشريحة، وهو محمد ولد بلال، رئيساً للوزراء خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ سيديا. وتشكلّت الحكومة الجديدة من 23 وزيراً، احتفظ فيها أغلب الوزراء بمناصبهم السابقة، وضمّت أحزاب الأغلبية وبعض الشخصيات التكنوقراطية، في تأكيد لفشل المفاوضات التي جرت مع زعماء المعارضة لإقناعهم بدخول الحكومة.


الحكومة الجديدة قادرة على الاستجابة لتطلعات المواطنين وتنفيذ برنامج "تعهداتي"

وغادر جميع الوزراء الذين وردت أسماؤهم في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية، مناصبهم، في إشارة إلى أن إقالة الحكومة جاءت تحت تأثير تقديم اللجنة البرلمانية تقريرها للنيابة العامة، من أجل بدء استدعاء المتهمين بالفساد في ملف عشرية ولد عبد العزيز. وتسلمت خمس شخصيات جديدة حقائب وزارية مهمة، أبرزها وزارات العدل والنفط والاقتصاد، وأُسندت هذه الحقائب إلى شخصيات كانت تشغل مناصب مهمة في منظمات دولية، كعبد السلام ولد محمد صالح، الذي كان مسؤولاً في منظمة الصحة العالمية، وتسلّم حقيبة البترول والطاقة والمعادن، وعثمان ممادو الذي تولّى حقيبة الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية. واحتفظ وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد بمنصبه في الحكومة الجديدة، ما ينفي إمكانية ترشيحه لمنصب المبعوث الأممي في ليبيا، وكان ولد الشيخ أحمد قد عمل سابقاً مبعوثاً أممياً في اليمن.

وإضافة إلى الخارجية احتفظ وزراء الدفاع والداخلية والمالية والصحة والتجهيز والنقل والمعادن والصيد بمناصبهم في الحكومة الجديدة، وتم دمج بعض القطاعات الوزارية كوزارتي التعليم الأساسي والثانوي اللتين تم دمجهما في حقيبة واحدة هي وزارة التهذيب. وأُسندت إلى محمد ماء العينين ولد أييه الذي كان يشغل منصب وزير التعليم الثانوي. وتبادل بعض الوزراء حقائبهم الوزارية كسيدي أحمد ولد أحمد الذي كان وزيراً للتجارة والسياحة، والناها بنت مكناس التي كانت وزيرة للمياه والصرف الصحي.

ومن ضمن الوافدين الجدد على التشكيلة الحكومية لمرابط ولد بناهي، الذي استلم وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقة مع البرلمان، في أول دخول له إلى الحكومة، وهو الذي كان نائباً في البرلمان لدورات عدة. وتضمنت التشكيلة الحكومية 4 سيدات أسندت إليهن وزارات التجارة والصناعة والسياحة، والإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، والشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، والبيئة والتنمية.

في السياق، يقول المحلل السياسي أحمد سالم ولد شيخاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إقالة حكومة إسماعيل ولد الشيخ سيديا تمت عشية استلام النيابة العامة التقرير البرلماني عن شبهات فساد طاولت أعضاء فيها، ما استوجب إبعاد الوزراء المشتبه فيهم، ومن بينهم رئيس الوزراء، لمنحهم فرصة الدفاع عن أنفسهم بعيداً عن سلطتهم كوزراء. ويرى أن التبرير الذي قدمته الرئاسة لإقالة الحكومة كافٍ لتوضيح أسبابها وكيفية اختيار التشكيلة الحكومية الجديدة، مضيفاً أن "الرئيس الغزواني أكد أنه لن يتدخل في عمل السلطتين التشريعية والقضائية وأنه سيأخذ بعين الاعتبار ما يصدر عنهما، كما أكد أنه لن يتوانى عن الاستعانة بخبرات أي من الوزراء المعنيين في حال أثبتت التحقيقات براءتهم، بل استقبلهم بعد الإقالة لتأكيد مبدئه وحتى لا يتم إلصاق التهم بهم لوحدهم بعد الإقالة".


تسلّمت النيابة العامة التقرير البرلماني عن شبهات فساد في الحكومة السابقة

ويعتبر أن الحكومة الجديدة قادرة على الاستجابة لتطلّعات المواطنين وتنفيذ برنامج "تعهداتي" الذي قدمه الغزواني إبان ترشحه وكان سبباً في فوزه بالانتخابات، ويضيف أنه "على الرغم من الإصلاحات الاقتصادية التي حقق بعضها نتائج إيجابية، إلا أن التطلعات والآمال التي علقها المواطنون على الرئيس لم تتحقق بعد. وظلت الحكومة تبرر إخفاقها في تحقيق إنجازات مهمة على أرض الواقع بتأثير الديون والالتزامات الكبيرة التي وضعت على كاهل الدولة في الفترة الماضية، إضافة إلى تداعيات وباء كورونا".

وكانت الرئاسة الموريتانية قد أكدت أن إقالة الوزراء المشمولين في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية جاءت من أجل تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، وأوضحت أن الحكومة الجديدة شُكلت انطلاقاً من ضرورة إحداث بعض التعديلات الفنية، وأن تشكيلتها راعت مختلف التوازنات داخل الخريطة السياسية والاجتماعية في البلد، وسمحت بضخ دم جديد في السلطة التنفيذية وتنمية روح الفريق وترسيخ مبدأ التضامن الحكومي لتسريع وتيرة تنفيذ ومتابعة برنامج الرئيس مع تكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة.

وشكّل البرلمان الموريتاني لجنة قبل نحو ستة أشهر للتحقيق في ملفات فساد خلال سنوات حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بعد مطالبة سياسيين بمحاسبته على ما شاب الحقبة التي حكمها فيها البلاد من اختلاس للمال العام وفساد ومحسوبية. ويخول الدستور الموريتاني للبرلمان التحقيق مع رئيس الجمهورية على الرغم من حصانته، ويمكن للبرلمان أن يتهم الرئيس ويتقدم بدعوى قضائية ضده أمام المحكمة العليا.

المساهمون